09-02-2012 08:36 AM
كل الاردن -
سميح المعايطة
هجوم اي مسؤول على مؤسسات رسمية دليل على ضعف التنسيق والعزف المنفرد.
جميل ومعبر القول الشعبي المأثور الذي يقول "الماء الضعيف لا يحرك الطاحونة او لا يديرها" وهذا مستمد من الماضي, حيث تعمل الطاحونة على الماء, وعندما لا يكون الماء قويا فان الطاحونة لا تعمل.
المثل ينطبق على إدارة الحكومات والمؤسسات والمراحل, فالحكومة الضعيفة الفاقدة لعناصر القوة "لا تدير" الطاحونة, اي لا تُقدِّم ما يجب للمرحلة, فالمسؤول الضعيف او البنية الادارية او السياسية الضعيفة خطر على البلاد والعباد.
التفاصيل كثيرة لكن المرحلة السياسية الحالية تتطلب لإدارتها ماء كثيرا وقويا, حتى تدور طاحونة الانجاز, وحتى تتم معالجة المشكلات, ولعلي هنا اشير الى احد اهم عوامل "قوة الماء" وهي وحدة الرسالة التي تصدر من الدولة تجاه المواطنين, ونقصد ان تكون كل الرسائل والخطوات والاجراءات التي تصدر من كل الدولة بكل سلطاتها بذات الاتجاه وبتوافق كبير.
لن اذهب بعيدا لكنني اشير الى الحزم والوضوح الذي تحدث به جلالة الملك قبل ايام عن خطوات الاصلاح المقبلة وان انتخابات نيابية ستجري هذا العام, وهو موقف واضح ويعبر عن جدية ومصداقية لانجاز الاصلاح, لكن ما يجب ان يرافق هذا التأكيد الملكي عمل بذات القوة وماكينة تنفيذية قوية تنفذ هذا الوعد وتحافظ على مصداقية المسار العام للدولة, وهذا مطلوب اولا من الحكومة التي لم يعد مطلوبا منها سوى إعداد قانون الانتخاب وارساله الى مجلس النواب.
لا يجوز ان يكون اداء مؤسسات الدولة المعنية اقل بكثير من حيث الحماس والقوة من اداء مؤسسة الحكم, لان اجراء الانتخابات في هذا العام يتطلب ان تنجز الحكومة قانونا توافقيا, ثم يتطلب الامر من مجلس النواب ان يرسل رسائل للاردنيين بان المجلس سيكون حريصا على مناقشة مشروع القانون بعمق لكن دون اي محاولة للمماطلة او تعطيل المسار.
الرسالة الموحدة في أي شأن يجب ان تصدر بذات القوة والتوجه من الجميع حتى لا نجد من يمارس اي تشكيك او يتحدث عن عدم امكانية تحقق الامر لانه يرى ان تلك المؤسسة السياسية قد تعطل الامر وتمارس لعبة الوقت.
الأمر لا يقتصر على الانتخابات لكنها مثال حاضر, لكن ما يجب ان يتم ان تكون هناك رؤية واحدة لكل الملفات, وان لا يكون هناك معارك او خلافات علنية, فقضية زيارة وفد حماس الى الاردن تحدثت عنها الحكومة منذ اشهر, ومارست الحكومة هجوما على ما كان عام 1999 واعتبرته خطأ دستوريا, مع انك حين تستمع الى بعض المسؤولين في تلك المرحلة تجد انه لم يصدر قرار ابعاد وان الامر كان حلا سياسيا وافقت عليه حماس وقطر والاردن, وهنا قد نجد من يرى ان هذا حل خاطئ وهذا رأي له الاحترام, لكن لا يجوز ان يكون التباين علنيا بين مؤسسات الدولة, وان تستعمل الحكومة الاعلام لادارة هذا الخلاف, لان الحديث في الاعلام لا يحل الخلافات.
الرسالة الواحدة للدولة في كل القضايا الكبرى ضرورة وهذا يعيدنا الى الآلية السياسية وهي وجود "عقل" او "مطبخ" للتفكير والتوافق على الرؤى والملفات الكبرى, لا ان نجد الخلافات في وسائل الاعلام او في الجلسات.
يمس هيبة الدولة ان نجد رئيسا للوزراء او وزيرا يهاجم مؤسسة رسمية مهما كان عملها, لان مثل هذا الهجوم يشبه الشكوى ودليل عجز عن ادارة العلاقة معها, وحتى عندما تشتكي حكومة من انها لا تمارس الولاية العامة او تعلن انها ستمارسها, فهي اشبه برب اسرة يسير بالشارع ويعلن انه صاحب الامر في بيته وانه سيمنع زوجته واولاده من عمل اي شيء الا باذنه, لكن كل هذا الصراخ لا يصنع ولاية عامة, بل يصنعها الفعل المؤسسي والتنسيق والتوافق على القضايا الكبرى بين جهات المعلومة وجهات القرار.
في كل المراحل تكون وحدة الرسالة ضرورة وتعبيرا عن التماسك والتنسيق, وهي تعبير عن القدرة على احتواء الخلافات وادارة الاختلافات الادارية والسياسية, لكنها تكون فريضة في المراحل الخاصة ومنها المرحلة الحالية التي يجب ان يسمع الناس فيها من الدولة خطابا واحدا واداء بذات القوة والسرعة لخدمة الاهداف الكبرى التي نعمل لها جميعا.
لقد دفعت الدولة الاردنية ثمنا غاليا لحالة الاستقطاب التي عشناها خلال العقد الاخير والتي ثبت انها كانت معارك اشخاص وصراعات نفوذ لا علاقة لها بامن الاردن او هويته وتفكيكه, وحتى هذه الساعة ما زلنا ندفع الثمن, لهذا فوجود عقل وقيادة مركزية للدولة لادارة القضايا المفصلية يقطع الطريق امام المغامرين او اصحاب الاهواء وضعاف القدرات والنفوس لاستثمار اي مرحلة لغايات واهداف شخصية حتى وان تم تغليفها بغلاف وطني او عام.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net