12-02-2012 10:41 PM
كل الاردن -
سميح المعايطة
المسافة بين الالتزام الملكي وحديث الرئيس حول الانتخابات يستنزف المصداقية .
الرسالة (الاصلاحية!!) الكبيرة التي حرص رئيس الوزراء على ارسالها في حديثه التلفزيوني قبل ايام ان الانتخابات النيابية لا يوجد ما يؤكد انها ستجري هذا العام, وهذه الرسالة جاءت بعد اسبوع من تأكيد جلالة الملك الواضح ان عام 2012 سيشهد انتخابات نيابية تتوج عملية الاصلاح.
رسالة الرئيس خطيرة لانها تعني عبثا ومقامرة بمصداقية الدولة, فنحن اليوم لا ندري هل ستجري الانتخابات ام لا? لان الحكومة هي من بيدها الترتيبات وخاصة تقديم قانون الانتخابات الذي تعمدت وتباطأت بارساله الى مجلس الامة, واعلنت منذ تشرين الثاني الماضي انها ستقدمه الى المجلس منتصف اذار المقبل, واعطت اولوية لقانون جديد للبلديات رغم ان القانون السابق عمره عدة اشهر, وايضا ارسلت قانون الاحزاب وسترسل قانون المحكمة الدستورية وتماطل بارسال قانون الانتخاب رغم انها كانت تستطيع اعطاءه الاولوية لكنها النوايا المبيتة.
الحكومة تقوم اليوم بفعل خطير جدا يمس مصداقية الدولة ومؤسسة الحكم, فالتأكيد الملكي لاكثر من مرة واخرها قبل اسبوع بان العام الحالي عام الانتخابات والرئيس وامام كل الاردنيين يشكك في امكانية حدوث هذا, وينسى انه وحكومته مسؤولون عن صناعة ظروف تجعل امكانية اجراء الانتخابات صعبة هذا العام لانه جعل قانون الانتخاب اخر اولوياته, ووضعه على سلم الجدول الزمني مع انه لن يخترع العجلة بل كان من الممكن ان يعمل لاستكمال ما بدأته الحكومة السابقة التي وضعت مشروعا لقانون الانتخاب موجودا لدى الحكومة الحالية, وكانت هناك مقترحات من لجنة الحوار لكن الحكومة ادارت ظهرها لها, ليقول الرئيس قبل ايام انه 'يميل' الى قانون عام ,1989 وهذا 'الميلان الحكومي!!' يأتي قبل شهر من الموعد الذي حددته الحكومة لارسال قانون الانتخاب الى مجلس النواب.
جزء من المشكلة ان الحكومة لا تريد انتخابات مبكرة والسبب بسيط لانها تريد ان تبقى اطول فترة ممكنة, ولان الحكومة اجندتها بسيطة لهذا كان جزء اساسي من فريقها من الاصدقاء واولاد المدرسة, وكانت التعيينات ايضا لذات المحددات, وسبب المماطلة في ارسال القانون هو الرغبة في البقاء تحت مبررات واهية وهي 'جودة' القانون, لكن القانون ليس واضح المعالم ولم يجر حوله اي حوار, اي انه سيتم وضعه بسرعة وارساله الى مجلس النواب, فأي جودة تتحدث عنها الحكومة وكأن الامر يتعلق بصناعة (حلاوة) او (تطلي) او (ربطات عنق)!!
وفق الاستطلاع الذي كان قبل اسبوع, فان اغلبية الاردنيين تؤيد الانتخابات المبكرة, لان الجميع يدركون ان الانتخابات تتويج لعملية الاصلاح وهي العملية السياسية القادرة على نقل الحراك من الشارع الى مجلس الامة والمؤسسات الدستورية, وهي اسباب منطقية وليست موقفا من مجلس النواب, بل تحقيق لخطوات اصلاحية كبيرة وعملية.
الحكومة ورئيسها يمارسون التذاكي على الشعب والدولة, لكن على الحكومة ان تدرك ان الثمن هو مصداقية الدولة والالتزامات الملكية, ولو كانت الحكومة جادة او لها مصلحة لمارست حرصا وحماسا وحزما مثل الذي تمارسه عندما تريد تعيين احد المحسوبين عليها, لكن قرارها واضح وهو اطالة امد بقائها من خلال تأخير ارسال قانون الانتخابات الى مجلس النواب ثم الاتكاء على تبريرات الوقت والاجراءات حتى لا تجري الانتخابات هذا العام ولا تتحقق الالتزامات الملكية التي بدأت تظهر منذ ايلول الماضي واخرها الاسبوع الماضي والموجهة اولا للاردنيين ثم للعالم من حولنا.
مقامرة سياسية خطيرة تمارسها الحكومة, والامر لا يخص المواطن العادي فقط بل حتى المتابعين, فانا كمواطن لا استطيع اليوم ان اجزم ان الانتخابات ستجري هذا العام لان الحكومة وما تقوله وما تفعله يؤدي الى التأجيل والمماطلة, والاجراءات الحكومية اصبحت نقيضا للوعود والالتزامات الملكية وبالتالي فان الامر لم يعد متعلقا فقط باجراء الانتخابات وهو امر حيوي للدولة بل ايضا بالمصداقية.
ومن يعرف طريقة تفكير الحكومة يدرك انها تحب 'المناكفة والعناد' او كما يقال 'المداقرة' وربما تنظر الى الوعود والالتزامات والمطالبات باجراء الانتخابات النيابية مبكرا على انها امر لا تريده وترد على هذا بالعناد و 'مداقرة' كل الجهات التي تعد او تلتزم او تطالب بالمماطلة, لكنها لا تدرك بحكم تركيبتها السياسية ان الثمن كبير ومنه استنزاف للمصداقية والهيبة.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net