14-02-2012 10:13 PM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
سامحهم الله هؤلاء الذين “يزينون” لأصحاب القرار عنادهم في مواجهة ما يحدث في مجتمعنا من “احتقانات” وأزمات، وسامحهم الله هؤلاء الذين يريدون اختزال مشهدنا العام في زوايا ضيقة ومطالب فئوية واحتجاجات “تحت السيطرة” وموسم عابر يمكن ان نتجاوزه بلا اصلاح حقيقي وبلا تنازلات وبلا مراجعات حاسمة.. وحازمة ايضاً.
أمس، خرج اكثر من عشرة آلاف معلم، جاءوا من كافة المدارس والمحافظات والالوان السياسية، واعتصموا امام رئاسة الوزراء، كان المشهد لافتاً بامتياز، وكانت “البروفة” هي افضل ما يمكن ان يقدم لاقناع “الواقفين” على الاعراف بأن الاصلاح اصبح خياراً لا يمكن العودة عنه، وبأن احتقانات الشارع وصلت الى النقطة الاخيرة، وبأن الازمة السياسية والاقتصادية التي تعمدنا مواجهتها “بالتقسيط” وبالاستيعاب وبافتعال الصدامات والحلول المغشوشة تفاقمت واصبحت مفزعة لدرجة ان احدنا اصبح اكثر قلقاً من “القادم” الذي يبدو انه اخطر مما نتصور.
لم نكن “نرجم” بالغيب، حين نبهنا بأن خيار الاصلاح بما يتضمنه من تغيير لقواعد اللعبة السياسية، ومن بناء لمرحلة انتقالية جديدة، اصبح ضرورة وطنية, بأن “الازمة” الاقتصادية لا يمكن تجاوزها بدون الدخول في “جوهر” السياسة، ولم نغفل حين بدأ المعلمون اضرابهم قبل شهر عن “رؤية” ما حدث امس أمام الرئاسة، فالقضية التي اختزلها البعض في علاوة مالية كانت اكبر مما يتصور هؤلاء، وحلها وقتئذ بمنطق “التهوين” والاستهتار، او ربما الهروب الى الأمام، مع اننا - وغيرنا ايضا - اقترح العديد من الحلول والمخارج، وكان المعلمون وقتها جاهزين للقبول بأية مبادرة.
من المؤسف - ايضا - ان بعض المسؤولين في بلادنا اطمأنوا الى انحسار مد الاحتجاجات السياسية وتصاعد حدة المطالبات الاقتصادية، وتصوروا ان تلك اشارة الى انتهاء “الربيع” الاردني، ومرحلة جديدة يسهل التعامل معها، لكن ذلك التصور كان مغشوشاً للاسف، فالتوصل الى تفاهمات سياسية مع القوى والاحزاب والنخب أسهل بكثير من مواجهة “ازمة” الناس الاقتصادية واولوياتهم المعيشية، كما ان التعامل مع “الاصلاح” السياسي، متى توفرت الارادة الحقيقية، أهون بكثير من التعامل مع اصلاح مزاج الشارع واختناقاته واحساسه بالاحباط والبؤس والخوف من المستقبل.
اعتقد اننا كنا بحاجة الى “مشهد” المعلمين امس في اعتصامهم غير المسبوق، لا لكي يستعيد المعلمون حقهم في العلاوة، وانما ليستعيدوا حقهم في الكرامة، ولا لكي ينتصر حق الناس في الاعتصام وانما لكي ينتصر منطق “الاصلاح” هذا الذي أوشك البعض ان يغسلوا ايديهم منه ظناً من ان الناس مختلفين عليه أو خائفين منه أو عاجزين عن المطالبة به.
حين رأيت المشهد أمام الدوار الرابع من بعيد، سألت الله ان يمر هذا اليوم بخير، وان لا نخسر فيه أي شيء، وتمنيت على المسؤولين ان يحدقوا فيه بعيون مفتوحة، وقلوب مؤمنة بأن “الاصلاح” هو سكتنا الى طريق السلامة، وقلت في نفسي: ماذا لو حدث أي احتكاك لا سمح الله، وماذا لو تكررت هذه البروفة في أيام قادمة من فئات اخرى غير المعلمين.. ارجوكم انتبهوا الى ما فعلنا بأنفسنا وما انتهينا اليه من ازمات, انصتوا لما يتردد في الشارع من نداءات وانتقادات ومطالبات قبل ان يفوت القطار.. ونندم - لا سمح الله - على ما فات.