15-02-2012 10:41 PM
كل الاردن -
لميس اندوني
اللحظة التاريخية التي شهدها الدوار الرابع, أو كما يدعو بعض النشطاء لتسميته دوار المعلمين, حملت في مغزاها رسالة تحذير ليس الى الحكومة والنظام فحسب, بل ايضاً رسالة تذكير للحراك الشعبي نفسه, بأهمية اعادة ترتيب الاولويات ووضوح الرؤية, قبل أن تنزلق البلاد الى منحدر التفكيك والتفتيت.
فالمسألة لم تعد تقتصر على الاستحقاقات المالية للمعلمين بل تعدتها الى تعبير شعبي واسع, بالضيق والغضب الناتج عن الاحساس المتراكم بالاستهانة الرسمية بالمعاناة المستمرة, ودخول البلاد في حالة من الضياع والتوتر.
النظام, وليس فقط الحكومة الحالية, لم يستوعب ان الصبر الشعبي على تحقيق المطالب السياسية والاقتصادية, يستنفد بسرعة, إذا لم يتم التعامل مع قضايا الناس بشفافية, ومصداقية, واحترام للنفوس والعقول.
التعامل الرسمي مع قضية المعلمين تحديدا, كان مثالا صارخاً على فشل ذريع تمثل في البداية بتجاهل مطالب حياتية وانتهى بالمس بكرامة المعلمين وقيمتهم المهنية والمجتمعية .
فقول الحكومة بانها لا تملك الموارد لتحقيق وعودها, قد يكون صحيحا, لكنها فشلت في أن تثبت ذلك لافتقاد المؤسسات الرسمية الشفافية والمصداقية, للكشف والتوضيح للرأي العام عما ما ينشر, عن سلب أموال طائلة في صفقات مشبوهة, خلال عمليات الخصخصة, التي تتصدر فضائحها الصحف الاردنية والمواقع الالكترونية.
في ضوء عدم معرفة مصير هذه الاموال, وغياب خطة لاستردادها, تفقد مصداقية حجة الحكومة بضيق اليد, ويزيد المعلمين, وغيرهم من الفئات, تمسكاً بمطالبهم وعدم الاصغاء الى الاعذار الحكومية, كانت أم لم تكن.
مشكلة المصداقية هذه ليست مشكلة حكومة محددة بل مشكلة نهج كامل يتمثل في غياب المصارحة والشفافية, فلا يكفي ان يقول رئيس الوزراء ان الامكانات لا تسمح بزيادة الصرف, لان الناس أولا لا تصدق البيانات الرسمية, بغض النظر عن هوية رئيس الحكومة ومناقبه الشخصية, ولانها تسمع باستمرار عن نفقات لا يمكن وصفها بالاولويات الوطنية, مما يثير الشكوك ان عهد الصفقات والمشتريات بهدف اثراء بعض المتنفذين لم تقترب نهايته بعد.
أي أن المعلم, حاله كحال الجميع, يرفض أن يدفع ثمن التسيب وعمليات النهب والاختلاس من قوته ودمه.
علاوة على ذلك فقد ابت الحكومة إلا أن تفرك الجرح المفتوح بالملح عندما اعلنت بأنها ستلجأ الى مؤسسات الامن العام والجيش, لاختيار معلمين بدلاء للمعلمين المضربين من صفوفها; فعدا عن خطورة زج مؤسسة الجيش, في صراع اجتماعي, وبالتالي خطر الاضرار بمكانتها ودورها كمؤسسة, وطن تعلو على كل الخلافات, فإن التهديد وجه ضربة مباشرة لكرامة المعلم, الذي احس بتهميش دوره والاستهانة بعطاءاته أي ان الحكومة نجحت في تحويل احتجاجات المعلمين, للمطالبة بعلاوات مالية, الى انتفاضة كرامة تجسد انتصاراً لكرامة شعب أثقله الاحساس بالتجاهل والغبن ونفاد الصبر.
أي أن الحكومة, لها الفضل, وقد نحتاج لشكرها على هذا الانجاز, في إحياء نشاط الحراك الشعبي واعادة تماسكه, بعد أن أصابه الفتور وأضعفته الانقسامات, والايديولوجية وحتى المناطقية.
لكن الفضل الرئيسي في توحيد الحراك, ورفعه فوق التناقضات المدمرة يعود الى حركة المعلمين, التي سبقت الحراك باصرارها على حقها في تأسيس نقابة لها, والان تبرهن مرة أخرى انها في الطليعة الى قيادته الى الوحدة والعودة الى اولوياته السياسية والنضالية, بعيدا عن التشنجات الفئوية والعصبيات المناطقية والاقليمية.
أما الدرس الاهم لمؤسسات الدولة هو ان التجاوب الواسع, ادى الى حشد شعبي غير مسبوق, نقل المبادرة الفعلية الى الشارع مرة ثانية, وحررها من مناورات التسويف والتسكين, ولا بديل عن الاسراع في تغييرات جذرية, تؤدي الى تمثيل حقيقي لارادة الشعب وطموحاته.