سميح المعايطة


تراجع مستوى الطلبة ... انتشار الدروس الخصوصية وتردي نتائج بعض المدارس .. مظاهر للمشكلة .

امس عاد المعلمون الى مدارسهم بعد اضراب كان للحصول على اكبر نسبة ممكنة من العلاوة. وبعد حوالي ثلاثة اسابيع تم رفع العلاوة الخاصة بهذا العام من 10-15% ومثلها بداية العام المقبل, وما دام المعلمون والمعلمات قد عادوا الى مدارسهم فان الحديث يجب ان يكون حول قضايا مهمة تتعلق بالتعليم المدرسي وتفاصيله ومستوى طلبتنا في المدارس والملاحظات التي يسمعها الجميع.

ولعل مدخل الحديث الخبر السلبي عن ثلاث مدارس في احدى مناطق الاغوار لم ينجح من طلبتها احد في التوجيهي قبل ايام, وهي حالات لا يمكن القياس عليها لكنها تعبير عن مشكلة, وايضا ظاهرة تكاثر المراكز الثقافية التي تقدم الدروس الخصوصية في مواد التوجيهي وصفوف اخرى, والدروس الخصوصية التي يعطيها المعلمون للطلبة في بيوتهم والتي تشير الى عدم اطمئنان اولياء الامور لمستوى ابنائهم ولهذا يلجأون الى الدرس الخصوصي الذي تتفاوت تسعيرته بين عمان والمحافظات, وتصل تكلفة الحصة في عمان الى 25 دينارا يتقاضاها المعلم ربما حتى من طلبته الذين يدرسهم في مدرسة الحكومة.

هذه القضايا مهمة وتحتاج من الوزارة والمعلم الى جهد كبير, ولعل النقابة التي ستظهر بعد اشهر مطالبة بدور في مواجهة اي ضعف في التعليم المدرسي, وان توجه جهدا نحو المعلم ليكون في احسن حالاته, لان الهجرة الى الدروس الخصوصية او تدني مستوى الطلبة مشكلة المعلم طرف فيها, ويجب ان يكون جزءا من حلها.

في نقاش مع بعض اولياء الامور وبعض المهتمين بالشأن التربوي حول واقع التعليم المدرسي اشار بعضهم الى ملاحظة مهمة كانت في سالف المراحل, وهي بذل المعلم كل جهد ممكن في متابعته للطالب, وكان الحرص في اعلى مراحله, ولم تكن هناك دروس خصوصية ولا مراكز ثقافية وكان المعلم يتعامل مع الطلبة باعتبارهم امانة في عنقه, وهم قضيته التي يسعى الى النجاح فيها, وحينها لم يكن المعلم ثريا, كان موظفا عاديا ينتظر الزيادة السنوية على راتبه, لكنه كان رمزا في المجتمع وقيمة يحترمها الجميع حتى في المدن التي تزدحم باصحاب الشهادات.

وحتى يوم ان كان الاردن صغيرا واكثر فقرا فان التعليم المدرسي كان قويا, ورغم ان الظروف العامة لم تكن تسمح باعداد كبيرة في الجامعات لكن خريجي المدارس كانوا على سوية عالية وهم يتولون مواقع وظيفية في شتى المؤسسات بما فيها التعليم في المدارس.

دور المعلم في الحفاظ على مخرجات عملية التعليم في المدارس كان كبيرا وهو الدور المحوري, رغم ان مدارسنا في حينه كانت عادية ولم تكن تحمل اية مواصفات خاصة.

ما نقوله لا يعني ان الواقع اليوم نقيض لما كان, بل ان تطورا نوعيا طرأ على التعليم المدرسي من حيث التقنيات وتعليم اللغة الانجليزية وزيادة اعداد المدارس الحديثة وايضا اداء المعلمين المخلص, لكن مع ذلك هناك انطباعات ترتقي لدى البعض الى مستوى القناعات بان هناك ضعفا في التعليم المدرسي, وان الجدية لدى نسبة من الطلبة ليست كما يجب, وان فئات من الطلبة لديهم معاناة حتى في اتقان اساسيات الكتابة والقراءة والحساب, وحتى عندما تتخرج فئات من الطلبة من المدارس فانها تبدو وكأنها غريبة عن اتقان بعض الاساسيات, فضلا عن غياب الثقافة في امور عامة وبسيطة, وكأن التعليم المدرسي هدفه حفظ معلومات وتقديم امتحان فيها.

هناك عمليات تطوير تمت خلال العقود الماضية على التعليم المدرسي ومنها مؤتمر التطوير التربوي في نهاية الثمانينيات وهناك خطط مهمة تمت منذ عام 2000 وحتى اليوم, لكن هناك حاجة ماسة لمراجعة واقع التعليم في مدارسنا, مراجعة لا تتجاوز الايجابيات والانجازات لكنها تتوقف عند المفاصل التي تحتاج الى علاج ومنها اداء المعلم وقدراته المهنية, المدارس والبناء, والتشريعات, المناهج, هيبة المعلم وقدرته على تشكيل نموذج للطلبة تربويا وانسانيا, الادارة المركزية للعملية التربوية.

وحتى لا يساء الفهم فان هناك جهودا كبيرة تم بذلها خلال العشرين عاما الاخيرة وهناك تأهيل تم للمعلمين عبر عدة برامج في الجامعات, وهناك برامج لزيادة الابنية المدرسية, لكن قطاع التعليم يتغير بسرعة نتيجة عوامل كثيرة منها اعداد الطلاب في التعليم المدرسي التي تتزايد نتيجة الهجرات او الزيادة السكانية الطبيعية اضافة الى اننا مجتمع شاب جدا, وهناك عوامل التربية الجديدة للطلبة من فضائيات وتقنيات ومواقع تواصل واعلام الكتروني, كل هذا ادخل شركاء جددا للبيت والمدرسة مما يستدعي تعاملا مختلفا وادارة تربوية وتعليمية تتوافق مع كل جديد.

المعلم هو العمود الفقاري واذا لم يكن لدى قطاع المعلمين من خلال نقابتهم رؤية لاستعادة دورهم من خلال الجدية والتعب وبذل كل الجهد, فان كل جهد آخر لا يملك فرصا للنجاح.

في الزمن السابق الذي نسمع عنه من الاباء والكبار لم تكن الاسرة تمارس دورا في متابعة تعليم الابناء لكننا اليوم نحتاجه, وعلينا ان نتذكر ان الاباء والامهات لم يكونوا من اهل التعليم اي ان دور المعلم والمدرسة هو الاساس لهذا فان الدور الكبير لنقابة المعلمين المقبلة يجب ان لا يقتصر على حقوق المعلمين رغم اهمية ذلك بل لا بد من دور اكبر في حل مشكلات التعليم المدرسي ورفع مستوى هذا التعليم الذي اصبحت تلاحقه الكثير من الملاحظات. ودور النقابة المفترض كبير لانه متعلق بالمعلم الذي كان في مراحل سابقة عنوانا للجدية وبذل الجهد الكبير رغم ان احواله لم تكن كما يجب وصنع هيبته بنفسه وجهده وكان مرجعية اجتماعية حتى لاولياء الامور.

الامور تغيرت في كل المجالات, والمعلم لا يتحمل وحده مسؤولية الملاحظات على التعليم المدرسي, لكنه مطالب اليوم بحجم كبير من المسؤولية وانيقدم من خلال نقابته ما يجب من جهد ومن افكار ورؤى لحل مشكلات التعليم المدرسي واستعادة المعلم لمكانته, وهذا لا يقلل من جهد قطاع المعلمين, لكن لا يكفي منهم الشكوى والحديث عن نقاط الضعف, فهم اليوم الطرف الاساسي في حل المشكلات.

ننتظر من المعلمين دورا كبيرا لتجاوز مشكلات التعليم المدرسي, وهو احد الادوار المهمة للنقابة حتى تكون النقابة المقبلة بيت خبرة تربويا وليست معنية فقط ببعض المطالب على اهميتها.

sameeh.almaitah@alarabalyawm.net