24-02-2012 10:43 PM
كل الاردن -
د. رحيّل غرايبة
ثورة الربيع العربي ليست ثورة نهوض فحسب, وليست ثورة تحرير شعوب مكبلة فقط, ولن تقتصر على الإطاحة بأساطين الاستبداد ورموز الفساد, وإنّما هي ثورة اجتماعية عميقة, تشمل المفاهيم والأعراف والعادات والتقاليد وجملة 'السواليف', والخرافات والأساطير التي عشعشت في أذهان فئة من النخب الفاسدة التي استمرأت الذلّ والعيش تحت السياط ردحاً من الزمن, ومثلهم كمثل الذين أدمنوا على إبر المخدرات والأفيون والحشيش والبودرة الملعونة, لا يستطيعون مغادرتها أو التخلص منها.
ثورة هادئة ولكنها عميقة, سوف تقلب العقول وتغير الأجيال, وتصيغ الوجدان الشعبي من جديد, وعندها سوف يرحل الاستبداد ومعه كل حواشي الفساد والمرتزقة والمداحين والشعراء والأعوان والعيون.
لكن الأمر الأكثر أهميّة أنّ هذه الثورة امتحان حقيقي لكل القوى السياسية والمكونات الاجتماعية, وامتحان للرموز والشخصيات وامتحان للكتاب والأدباء, والمفكرين وأرباب الوعي, امتحان لكلّ كلمة ولكلّ فكرة, ولكلّ من خالف فعله قوله, ولكلّ من تكسب أو ارتزق بتزييف الحقيقة أو ساعد على طمسها, ولكل من حاول سرقة الوعي العام, والكذب على الجماهير, ولكلّ اللاّهثين خلف السراب, ويتوهمون أنّه واحات وافرة وحولها النخيل والأشجار والظلال, حتى إذا أتوها لم يجدوا شيئاً, ولكنّهم سوف يجدوا ساعة الحساب مع الأجيال القادمة المبصرة, التي زالت الغشاوة عن أعينهم فأدركوا الحقيقة بلا زيفٍ ولا خداع.
سوف تكون الأجيال القادمة بالمرصاد, لكلّ الذين سرقوا التاريخ والمجد, وسرقوا الذاكرة, وبتروا الأجيال عن تاريخهم وحضارتهم, وجعلوهم بلا ذاكرة وبلا انتماء وطني, ليكونوا هشيماً تذروه الرياح, وسوف تكون بالمرصاد لأعداء الشعوب, الذين خانوا تطلعاتهم نحو الحرية والديمقراطية, وكمال الإنسانية وكرامة الآدميين, أولئك الذين رسبوا في الامتحان الكبير, امتحان الإرادة الشعبية, والانتفاضة العارمة على الظلم والعسف والامتهان والإذلال والاحتقار والاستلاب والاستعباد, وعلى صانعي الهزائم وحرس التخلف والفرقة.
rohileghrb@yahoo.com
rohileghrb@yahoo.com