25-02-2012 10:14 PM
كل الاردن -
سميح المعايطة
فاتورة سياسية كبيرة للخيارات الخطأ وغير الناضجة
قد يكون موضوع المقال نوعا من الخيال والمثاليات من وجهة نظر البعض, او نوعا من الذهاب بعيدا في المستقبل خاصة في ظل وجود متغيرات تجعل من الصعب اجراء اي ترتيبات او بناء اي حالة مستقبلية, فما حملت الاقدار للمنطقة خلال العام الماضي من تغييرات في بنيتها السياسية خارجا عن كل التوقعات والاحتمالات.
لكن كل ما سبق على وجاهته, لا يُلغي الحاجة الى وجود اولوية للترتيب, او لبناء مسارات سياسية واجتماعية لمن سيتم اسناد الثقة والمسؤولية اليهم خلال المرحلة المقبلة, والمرحلة المقبلة ليست حكومة جديدة او مجلس نواب بعد الانتخابات المبكرة, لكنها مرحلة ستأتي بعد حوالي عامين من الحراك السياسي والمطلبي, وشعارات الاصلاح السياسي ومحاربة الفساد والدعوة لمراجعة ما كان من سياسات سياسية واقتصادية.
سنكون بعد شهور مع مرحلة مختلفة من عمر الدولة الاردنية وشكلها محصلة مخاض ليس سببه نتيجة الحالة السياسية والشعبية وسقوط اسماء وفتح ملفات, واحالة شخصيات الى القضاء, وتلاشي دور اخرى نتيجة سقوطها شعبيا وسياسيا, وهناك سقوف كبيرة ومرتفعة ظهرت, وكل هذا صنع واقعا سياسيا جديدا وصعبا على الجميع.
واقول بعد شهور لاننا حينها سندخل عمليات الانتخابات بكل تفاصيلها التي ستفرض على كل راغب في العمل العام ان يستعد جيدا لمواجهة الجماهير والناس بلغة قادرة على الاقناع والتعامل مع كل المستجدات والمتغيرات التي طرأت على خطاب الناس واولوياتهم, نقول هذا مع التأكيد ان هذا التغيير لن يكون شاملا كل الساحات والمساحات الجغرافية وفئات المجتمع.
وعلى الصعيد العام للدولة فان هناك ضرورة للعمل على صناعة طبقة جديدة في كل المواقع قادرة على تقديم الاداء القوي والنظيف. وهذه الطبقة او المجموعة الواسعة لا يمكن ان تتم صناعتها الا وفق معايير سليمة, اما اذا كان من سيصنع هذا هو المسار الذي تمارسه معظم الحكومات ومنها الحكومة الحالية من تقديم الاصدقاء والاقارب والمحسوبين عليها فان الامور ستسير نحو الاسوأ, بل سنكتشف بعد حين اننا سنعود الى المربع الاول من صناعة الازمات.
تحتاج »الدولة« وعلى رأسها مؤسسة الحكم ان ترسم معالم طبقة سياسية وادارية عليا جديدة يتم ضخها في جسد الدولة الاردنية, والقضية ليست تغيير اشخاص لكن التدقيق الكبير في المواصفات, لان جزءا من مشكلة المرحلة السابقة ان فئة ممن تم تقديمهم كانوا صغارا في نفوسهم وقدراتهم وحتى بناهم الاخلاقية لهذا كان ما نرى.
والامر الآخر يتعلق بالخبرة والمواصفات, لان البعض تم وضعه في صاروخ عابر للقارات وانتقل من مرتبة موظف عادي الى اعلى الاماكن ليصحو وقد اصبح.. »يحكم ويرسم« وبيده مقاليد الدولة, فمن الطبيعي ان يصيبه كل ما يدفعه لكل شيء.
وتحتاج الدولة ان تعيد النظر بالطبقة السياسية التي صنعتها, والتي ثبت ان جزءا منها كان صناعة غير متقنة, وان بعضهم دخل المواقع العامة بالوساطة او بعملية فساد حتى تلك المواقع ذات الطابع الشعبي. ما نقوله لا يعني ان كل ما هو موجود يحتاج الى تغيير لان هناك فئات دخلت الساحة وكانت ذات كفاءة وقدمت اداء ايجابيا, وهناك رجالات دولة, لكن هناك ايضا من حملهم الفساد السياسي ليصبحوا من الاسماء اللامعة وذات الدور والثقل والمستقبل.
تحتاج الدولة مع بداية المرحلة المقبلة ان تمتلك ادوات تجنبها تكرار الاخطاء السابقة, وتجنبها ان تتعرض لاي تضليل من اشخاص او سوء تقدير من مؤسسات, وان تدرك ان الدولة حتى تسير »برشاقة« وقوة تحتاج الى اسماء »ثقيلة« وان يكون هناك خط انتاج نظيف للطبقة التي ستدير امور البلاد خلال السنوات المقبلة.
وكما اشرت في البداية فان البعض قد يعتقد ان هذا الحديث جزء من خيال علمي, لكن الدولة بحاجة لان ترسم تفاصيلها خلال العقد القادم, لان غياب مثل هذا الامر قد يعني عودة ذات المشكلات, وتحول هؤلاء الى عبء على مؤسسة الحكم بدلا من ان يكونوا عونا لها في ادارة المراحل الصعبة.
ونقطة الضعف الكبرى كانت في جزء من الطبقة السياسية واستعدادها لتكون مركزا للفساد, وشهيتها الواسعة لاخذ اي شيء, كما يقال في الامثال الشعبية كانت نفوس البعض »ردية« اي لا تتعفف عن اي شيء, وبعضهم اعتبر ان واجبه هو ان يأخذ كل شيء لنكتشف بعد ذلك ان كل ما فعلوه كانت له فاتورة سياسية كبيرة على الدولة, وساهمت في اضعاف العلاقة بين الاردنيين والدولة.
من هم خيارات الدولة في المرحلة المقبلة, وما هو شكل الطبقة السياسية والادارية علينا سؤال كبير تحدد اجابته قدرة الدولة على عبور المرحلة المقبلة وتجنب اخطاء ما كان وما ندفع ثمنه اليوم.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net