03-03-2012 10:03 PM
كل الاردن -
سميح المعايطة
الاساءات سلاح العاجز عن الرد المنطقي والترفع لغة الكبار
في سياق الحديث عن الاصلاح الحقيقي القائم على الثقافة وتغيير البنية العقلية والسلوكية للمواطن اشار احد الاصدقاء من مصر الشقيقة الى مقولة كان يرددها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بان الثورة استطاعت ان تحرر قناة السويس من السيطرة الاجنبية لكنها عجزت عن اصلاح »القصر العيني« الذي هومن اشهر المستشفيات الحكومية في مصر وله اسم سمعت به الشعوب العربية من خلال الاعمال الفنية المصرية في السينما والتلفزيون. والشاهد في مقولة عبدالناصر ان هناك طبقة واسعة من الموظفين واغلبية في القطاعين العام والخاص »يفعلون ما يريدون« والحكومات والوزراء وحتى قادة الدول يمكنهم فعل ما يريدون وقول الكلام الجميل كله لكن الموظف الذي بيده السلطة في موقعه يفعل ما يريد, وحتى عندما تشتد عليه الضغوط من قبل من هم فوقه فانه »ينحني« للعاصفة قليلا ويراهن على ان المسؤول اما سيتلاشى حماسه وينشغل بامور اخرى, واما سيصاب بالاحباط من ضعف الاستجابات, واما ان الاقدار ستقدم خدمة للموظف برحيل المسؤول الى موقع آخر او الى بيته.
القطاع الواسع من الموظفين هم اصحاب القرار الحقيقي, ولهذا نجد في بلادنا مؤسسات زارها الكثير من المسؤولين لكنها لم تفقد ضعفها وترهلها, ونتذكر في بداية عهد جلالة الملك المسلسل المكسيكي »مستشفى البشير« ومصعده الشهير, ولولا المتابعة الكبيرة والدائمة من الملك لربما لم يتحقق تقدم ما, لكن من المؤكد انه ليس كل مؤسسة او قسم او ادارة يمكن ان يتفرغ لها الملك او رئيس وزراء ليضمن اصلاحها.
عامة الموظفين والعاملين بمن فيهم طبقة رؤساء الاقسام ومدراء الدوائر هم اصحاب القرار في الاصلاح والتغيير, وان اصروا على الرفض العملي فكل ما يقال في الطبقات العليا من المسؤولية يبقى في احسن الاحوال محاولات.
لكن المشكلة لو انتقلت هذه العدوى او الضعف الى البنى الكبرى واعني الحكومات واصبحت تتعامل مع ما يجب ان تفعل بعقلية الموظف الصغير الذي ينظر الى ما يأتيه من توجيهات بانها امور لا تعنيه ويفعل ما يريد حتى لو كان ما يفعله غير صحيح.
ولعلي اعود الى المستشفيات العامة ومنها مستشفى الجامعة الذي كتبت عنه الصحف وظهرت عنه مقالات عديدة تدعو لانقاذه, وسمعت الحكومة كل ما تحدث به الاعلام عن اغلاق اقسام بسبب الضائقة المالية التي جزء منها يعود الى عدم تسديد الحكومة لكامل مستحقاتها, ومع ذلك لم ير الاردنيون رئيس الحكومة يصل بسيارته الى المستشفى ليرى الاقسام المغلقة ويقدم الحلول لمعلم طبي اردني ليس مطلوبا من الحكومة دعمه بل تسديد ما عليها من ديون له, لهذا وجدنا جلالة الملك هو من يبادر لزيارة المستشفى ويوعز بانقاد سمعة هذه المؤسسة واعادة تفعيل الاقسام المغلقة, ولو قام الرئيس بواجبه لما احتاج الامر الى تدخل ملكي, يقدم الحلول لمشكلة المستشفى.
والامر ليس قصة مستشفى لكن هناك توجيهات واضحة للحكومة بالعمل الميداني, وكما اشرت في مقال سابق فالحكومة حتى اليوم لم تقم بأي زيارة الى اي محافظة او مدينة اردنية, واقصد بالحكومة رئيسها الذي لم يتواصل مع الاردنيين ولم يدخل مدنهم وقراهم, ولم يشاهده الناس بينهم, وهذا الامر ناتج عن اسباب كثيرة قد يكون منها عدم الثقة بالقدرة على مواجهة المواطنين والاختفاء في المكاتب واللقاءات الرسمية.
نعلم ان هناك وزراء فنيين يقومون بجهد في العمل الميداني في المحافظات وهو امر يسجل لهم, لكن التواصل السياسي والميداني »لقيادة الحكومة« معدوم ومفقود, وحتى نذكر من يعنيه الامر فان هذا جزء من ضعف الحكومة وليس اجندات وهو واقع نراه جميعا وتعلمه الحكومة جيدا.
وفي سياق اخر اقول ان »من« هو مكلف بالدفاع عن الحكومة عليه ان يقوم بهذا ليس بالشتائم والاتهامات الرديئة غير الصادقة او بالاستعانة بصحف لتعيد نشر كلام لا يليق مع مقدمات بذات المستوى, بل بالمعلومة الحقيقية المقدمة للناس, لان الشتيمة لغة العاجز والردح لغة من لا منطق لديه.
لن نلوم بعض شبابنا في الجامعات عندما يعجزون عن الحوار فيلجأون للعنف والسلاح لان من ينطق ويعبر باسم الحكومة يعجز عن مناقشة ما يقال في مقالات الكتاب في الصحف والمواقع فيلجأ للشتائم والاتهامات الباطلة ويستعمل لغة لا تليق لا بحكومة ولا بمواطن, لكنها في المحصلة تعبير عن العجز عن النقاش المنطقي لما يطرحه الاعلام وانعكاس لبنية لدى من يستعمل هذه الاساليب وهو ايضا محسوب على الحكومة وجزء من اداءها واعتراف عملي بصحة كل ما يقال من اراء موضوعية.
كل الحكومات السابقة تعرضت للنقد وكان هناك من يؤيدها ومن يعارضها, وكما يقول الناطق باسم الحكومة انه عارض كل الحكومات باستثناء هذه الحكومة وقال هذا امام حشد في صحيفة الرأي قبل شهور, لكن الحكومات اما ترد على ما يقال بمنطق, او تستفيد مما فيه فائدة وتتجاهل الاخر, او تحاور كل صاحب رأي, لكن لم نشهد الا في عهد هذه الحكومة الهبوط بمستوى لغة الرد بعيدا عن مناقشة الافكار والقضايا الى الشتائم والاتهامات الباطلة, وهذه ليست فيه اساءة الا لمن يمارس هذه اللغة ويتبنى هذا الاسلوب, وهي ادانة للحكومة وتأكيد لكل من يرى فيها نقاط ضعف كبيرة ولا يراها حكومة ناجحة.
ما نقوله ليس ردا على لغة لا تليق بل نصيحة للحكومة ان تتحدث بلغة بعيدة عما لا يليق, اما تاريخ الاشخاص ومنهم من يمارسون اللغة التي لا تليق فنحن نعرفه جيدا, لكن علاقة الاعلام مع الحكومات علاقة حكم على الاداء, اما الهبوط الى مستويات الاساءة والشتائم فهذا لا يعجز عنه احد لانه موجود بكثرة لدى من نعرفهم في المجتمعات, لكننا نترفع عن الهبوط الى اي لغة او مفردات تسيء الى اعلامنا ومهنيته, ونترك احتكار اللغة الرديئة والاساءات لمن يرتضيها لنفسه.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net