03-03-2012 10:13 PM
كل الاردن -
نصوح المجالي
ما زلنا في الاردن بحاجة الى خارطة طريق واضحة تحدد اولويات ومراحل ومفردات الاصلاح, فتحديد ان هذا امر مهم وذاك اقل اهمية وان هذا له اولوية وذاك يؤجل حتى يحين اوانه امر مهم وبدون ذلك ستبقى القضايا الفرعية ملهاة تطغى على ما هو أهم, وسنبقى ننتقل من الكازينو الى شاهين ومن شاهين الى الكازينو ومن امين العاصمة الى محمد الذهبي ومن اشاعات حول الصحافيين واعطياتهم الى سكن كريم, مع ان جميع هذه القضايا يفترض ان تفحص بهدوء وبدون تسييس اعلامي في اروقة القضاء, بمنأى عن الواجب الاساسي المناط بالحكومة وهو انجاز القوانين الناظمة للحياة السياسية في اسرع وقت.
هذا الذي يجري يسميه البعض حراك الحكومات ضد من ترى انهم خصومها وانتصاراً لمن ترى انهم انصارها, واذا دخلنا في هذا الباب ستصبح الحكومات تابعة لاجندات الغير وليس قيماً على اجندة الوطن, التي يفترض ان يحترمها الاخرون.
لنلقي نظرة على خارطتنا السياسية الحالية, الحراك الشعبي في الشارع استنفد جميع العناوين والشعارات العامة التي تكررت مراراً ومراراً لكنه ايضاً حقق انجازات مهمة اذ رفع وتيرة الوعي الشعبي على مطالب وحقوق فئات عديدة من الشعب, ما كانت ستحقق ما حققته لولا هذا الحراك, منها المتقاعدون العسكريون الذين اعترف بهم كطيف اجتماعي وسياسي والتفت لحقوقهم في المساواة مع نظرائهم العاملين, وكذلك المعلمون الذين حققوا مكاسب نقابية ووظيفية ايضاً من خلال دورهم في الحراك, واخرون مهنيون وعمال وقوى مجتمعية ما زالوا يديرون حراكاتهم المطلبية لخدمة مطالبهم هذا بالاضافة للمعاني السياسية التي يطرحها الحراك الشعبي.
فالحراك الشعبي ضم تشكيلات عشوائية خرجت بتسميات مختلفة وهذه قطعاً لن تجتاز مرحلة الانتخابات الا اذا التحمت مع طيف حزبي او اجتماعي اكبر من حجمها.
اما الاحزاب فقد تجاوز الحراك الشعبي شعاراتها ومهما طرحت الاحزاب من شعارات فسيبقى الحراك متقدماً عليها من حيث الشعارات, والمطلوب من الاحزاب الخروج ببرامج تفصيلية حول القضايا المطروحة داخلياً ومواقف سياسية واجتماعية واضحة حول الهم العام, حتى الان لم نر مثل هذه البرامج ولا يعقل ان هذه البرامج ستخرج للعلن وبدون نقاش في الايام القليلة قبيل التوجه الى الانتخابات, ولهذا يبدو الحراك الحزبي وكأنه حراك مكتبي واعلامي يستنسخ الشعارات التي تطرح في الشارع دون ان يخرج ببرامج تميز كل حزب حول ادائه البرامجي وطروحاته السياسية.
وحده جلالة الملك قام باستجابة سريعة رسمت آلية لتعديلات دستورية غير مسبوقة مهدت الطريق لترتيب الاولويات الصحيحة وهي: اولاً اصلاح دستوري ثم قوانين اصلاحية ذروتها الاصلاح البرلماني ثم تصحيح مسار وصولاً الى حكومات برلمانية, ثم تصحيح مسار الاقتصاد الاردني ليلائم الظروف المستجدة ثم محاربة الفساد وفق اولويات يحددها حجم ومدى الضرر الذي لحق باموال الدولة وامكاناتها.
للاسف نحن نمسك الان بقائمة هذه الاولويات من اسفلها ونختار ما يدخلنا في النكايات السياسية وفي قضايا فرعية يمكن معالجتها لاحقاً.
في المرحلة الاولى اوصلتنا وسائل الاعلام والشعارات المطروحة الى مرحلة ادخلت في روع العالم ان كل شيء في الاردن فاسد, ثم حولنا البرلمان الى مدعي عام للفساد, ثم انتقلنا الى مرحلة انتقائية لتأديب الخصوم بتهمة الفساد, مع ان القضاء قادر على تولي هذه المهمة بهدوء ودقة بعيداً عن لجلجة السياسة واغراضها.
نقول لاصحاب الامر انجزوا اولاً ما يكرس دولة القانون والمؤسسات التي قاعدتها الشعب المشارك في المسؤولية بالانتخاب والرقابة الشعبية, وانجزوا الاصلاحات القانونية التي تخدم الغرض الاساسي من الاصلاح السياسي وهو تكريس الحريات والحقوق المشروعة للمواطنين وتحسين وضع المواطن في الدولة من حيث المشاركة في القرار ونحن كشعب ممثل في هذه المؤسسات كفيلون عندها بمطاردة الفساد وعزل الفاسدين ومحاسبتهم والتصدي لسياسات الفساد.