05-03-2012 11:28 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
...وعندما أتحدث عن انقلاب نيوليبرالي على الولاية العامة لمجلس الوزراء, فلا أقصد أن هذه الولاية كانت قائمة قبل 2003 . كلا. فرغم أن الدستور ينص صراحة على ولاية مجلس الوزراء على الشؤون الداخلية والخارجية, فإن أيا من الحكومات الأردنية, باستثناء حكومات سليمان النابلسي وهزاع المجالي ووصفي التل, لم تمارس الولاية العامة أو بعضها في الشؤون الخارجية, كما ان التدخلات في ولاية الحكومة في الشؤون الداخلية, كانت شأنا معهودا منذ السبعينيات, إلا أن تلك كانت تدخلات فحسب, ولم تتجاوز أو تحطّم المنظومة القانونية والبيروقراطية الحكومية في القرار والتنفيذ. وهاتان ما قررت الخلية النيوليبرالية المسيطرة, التخلّص منهما في عام 2003 ، وفق رؤية وقرار وخطة, أي في صورة عملية انقلابية بالمعنى الحرفي.
وأكرّر بأنني لا أعفي الرؤساء والوزراء الذين خضعوا لذلك الانقلاب, من المسؤولية, ولكنني ألحّ, بالمقابل, على محاكمة الإنقلابيين ونهجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وليس هذا الإلحاح على سبيل الانتقام, وإنما على سبيل تصحيح المسار, وكنس آثار الانقلاب الذي ما زال مسيطرا كنهج ومؤسسة وشبكة من السياسيين ورجال الأعمال تتمتع حتى الآن بنفوذ واسع, ولم يتم المساس بأي من اعضائها الأساسيين.
في الثقافة الشعبية, هنالك كراهية للبيروقراطية الحكومية. ولكنها نظرة خاطئة تخلط بين الروتين الإداري الممل وبين المنظومة التي ابتدعتها الدولة الحديثة في مجال اتخاذ القرار وتنفيذه, والمسماة بالبيروقراطية الحكومية. فلا دولة ولا مؤسسية ولا ديموقراطية من دون بيروقراطية منضبطة بالدستور والقوانين والأنظمة والتعليمات. وأساس نجاح النظام البيروقراطي هو الولاية العامة لهيئة قرار مسؤولة هي, في النظام النيابي, مجلس الوزراء. وما يجدر التنبيه إليه, هنا, أن البيروقراطية الأردنية التقليدية كانت من أفضل البيروقراطيات الحديثة في المنطقة, انضباطا ونزاهة. ورغم ما تعرضت له من تشققات في الثمانينيات والتسعينيات, فقد ظلت تشكّل إطارا يعرقل التصرف الفردي في موارد الدولة. وهو الإطار الذي أرادت الخلية النيوليبرالية, الخلاص منه, لتتمكن من السيطرة على القرار حول موارد الدولة في مختلف المجالات, الشركات الحكومية والمرافق العامة والأراضي والأموال, وإعادة توظيفها في مشروع شامل للتحول الاقتصادي والاجتماعي من دولة القطاع العام إلى دولة القطاع الخاص.
وبالنظر إلى ضعف القطاع الخاص المحلي والبرجوازية التقليدية المحلية, فقد استلزم ذلك المشروع, أولا, جذب الاستثمارات والاستعانة بالرأسمال الأجنبي, وإغراءه بتقديم التسهيلات القانونية والإدارية كافة والتنازلات له, بما في ذلك تمكينه من وضع اليد على الشركات والمرافق العامة بأبخس الأثمان, وثانيا, توسيع وتعزيز طبقة برجوازية حاضنة للمشروع, ووكيلة للاستثمارات الأجنبية - ومن هنا وصفنا لها بالكمبرادورية ¯ وقد جرت هذه العملية من خلال استخدام موارد الدولة أيضا, سواء بطرق 'قانونية' أو غير قانونية, أي من خلال المقاولات والشراكات أو من خلال الفساد الإداري والمالي المباشرين.
ومن هنا يأتي تأكيدنا على أن المحاكمة الجنائية لمرحلة نهب الأردن, تظلّ قاصرة, وأن المحاكمة السياسية والاجتماعية, هي الأساس لأي مشروع إصلاحي حقيقي. وللحديث صلة.