10-03-2012 10:04 PM
كل الاردن -
د. رحيّل غرايبة
ليس السكوت دائماً من ذهب, وليس كل الصمت حكمة, فالسكوت في معرض البيان بيان, والصمت في موقعه ووقته كنزٌ ثمين, وجاء في الأثر: 'رحم الله امرءاً قال فغنم, أو سكت فسلم', ولكن سكوت السلامة له ضوابطه ومعاييره وأعرافه, بحيث يكون في محصلته عاملاً من عوامل إبعاد الضرر وأحد أسباب النجاة, والحفاظ على النفس والمكتسبات.
ولكن سكوت العامّة, وسكوت الأغلبية عن إنكار المنكر, والسكوت عن الجريمة المروّعة التي يرتكبها الطغاة بحق الشعوب, يصبح جريمة في عداد الجرائم, إذ لا يجوز الصمت والسكوت عندما يؤدي إلى نجاة المجرم وإلى ضياع حق الأمّة, ولذلك يصدق في هذه الحالة قول القائل: الساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس'.
عندما يكون الصمت جبناً وضعفاً واستخذاءً وخذلاناً, يصبح الصمت مشاركة في الجرم وضياعاً لحق الضحيّة التي تستصرخ الضمائر الحيّة والقلوب المستيقظة, فيكون الردّ بالصمت الجبان المتخاذل الذي ينقص من رجولة الرجال, ومروءة الإنسان, وايمان المؤمن الذي يورّث النفاق ويستحق العقاب من حيث يحتسب أو لا يحتسب.
إنّ نصرة المستضعفين واجبٌ تمليه العقيدة والدين, ويمليه العقل السليم والفطرة الصحيحة, ولا يستمرئ القعود عن نصرة المستضعفين إلاّ من استمرأ الذلّ والهوان, ومن هذا حاله فهو في عداد الموتى; لأنّ من ماتت في قلبه أشواق الحريّة ونوازع المروءة, فهو ذو قلبٍ ميّت, ومن مات قلبه فقد آدميته وإنسانيته وكرامته.
إنّ المطلوب من كلّ فردٍ أن يقدم ما في وسعه وطاقته, فقد قال الله تعالى:}لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها{, وعندما يبخل الفرد بالكلمة والشهادة باللفظ, والنطق بالحق, فقد ارتضى لنفسه منزلة البخلاء, والبخلاء هم الجبناء, والجبناء هم الأذلاّء, والأذلاّء هم قاعدة الظلم وسدنة الظالم; لأنّه ما كان للظالم أن يظلم إلا بذلّ الأذلاّء وجبن الجبناء وصمت المتخاذلين, وربما يقول قائل: الصمت مرتبة متقدمة على النفاق والتزلف للظالم ومدحه ومدح أفعاله, هذا صحيح, ولكن الذي يبرر للظالم ظلمه ويمدح فعله الشائن, إنّما هو المجرم نفسه, ولا يقلّ جرماً الطاغوت القاتل, بل جريمة المدّاح أشدّ بشاعةً وأعظم جرماً وأولى بالعقاب من المجرم ذاته.
rohileghrb@yahoo.com