12-03-2012 11:12 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
يواجه الأردن أزمة حادة جدا في المالية العامة. ويبدو أنه لا مخرج منها مع مديونية عامة تقترب من عشرين مليار دولار, وعجز يقترب, بعد احتساب المنح والمساعدات, من الثلاثة مليارات دولار. وهذا يعني ارتفاعا جديدا في المديونية العامة, يتبعه تفاقم العجز بزيادة خدمة المديونية, وهكذا في تسارع نحو انهيار حتمي.
الحل السياسي للأزمة المالية, غير متوفر إلا على حساب الاستقلال والكيان الوطني, في معادلة مبادلة الدين والعجز بالوطن. وهو حل مرفوض, قطعيا, من قبل الأردنيين المستعدين لتقديم المزيد من التضحيات لتلافي مصير كهذا. إلا أنهم غير متأكدين حول مصير تضحياتهم; هل ستذهب لحماية الوطن أم لجيوب الكمبرادور المسيطر والفاسدين المتمتعين بالحماية السياسية.
الحل المالي الفني يقوم على تخفيض قيمة الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية ( الخبز والأعلاف والغاز والماء والكهرباء, وكذلك الصحة والتعليم ). ولتلافي الآثار الاجتماعية - السياسية المتوقعة نتيجة هذا الإجراء, هنالك اقتراح بتقديم بدل الدعم نقدا للفئات المستحقة للدعم.
ثمة, بالفعل, قسم من الدعم الحكومي يذهب للفئات البرجوازية. ومن العقلاني توجيه الدعم نحو الفئات الشعبية دون سواها. لكن تجربة زيادة أسعار الكهرباء على أساس تدرّج الاستهلاك في الشهر الماضي, أثبتت أن الفئات البرجوازية تستردّ فورا, في ظل حرية السوق المنفلتة, فارق فاتورة الكهرباء التي تسددها عن طريق زيادة أسعار السلع والخدمات المقدمة في القطاع الخاص. وهكذا, فإن البدل النقدي الموعود سوف يُستهلَك بالنسبة للمواطنين المستحقين للدعم, بينما سيطلق موجة جديدة من التضخّم.
الموديل النيوليبرالي لحرية السوق لا يسمح, أساسا, بنجاح وسائل التضبيط الحكومية القائمة على توجيه الدعم للمستحقين, لأن القطاع الخاص سوف يستطيع أن يسترد دائما أكثر مما يخسر بزوال الدعم, بينما يأكل التضخم الشامل المتصاعد, البدلات النقدية الممنوحة للمواطن. وهكذا, فإن تخفيض العجز ستتحمله الأغلبية الشعبية وحدها.
الحل الاجتماعي هو الحل الوحيد الممكن لأزمة المالية العامة. وأهم عناصر هذا الحل تكمن في الآتي:
أولا, المعالجة الجدية لملفات الفساد, ليس فقط لاسترداد الأموال المنهوبة. وهي بالمليارت. ولكن, أيضا, لخلق القناعة لدى المواطن بضرورة التعاون لتخطي الأزمة,
ثانيا, استرداد السيطرة على القطاعات الاستراتيجية, التعدين والطاقة والاتصالات الخ, من خلال رزمة إجراءات تتراوح بين الاستعادة الكاملة والجزئية والعودة إلى الاستثمارات الحكومية أو بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي ونزع الاحتكار وفرض رسوم عادلة الخ ،
ثالثا, إقرار قانون جديد للضريبة على الدخل والأرباح على أساس تصاعدي وشامل - بلا إعفاءات للأرباح مهما كان مصدرها - .
رابعا, تعديل الضريبة العامة على المبيعات على أساس تصاعدي بحيث تبدأ من صفر على سلّة الغذاء وتصل إلى 35 بالمئة على السلع الكمالية والسيارات الفارهة ومواد البناء الفخمة الخ
خامسا, إلغاء الدعم مقابل إقرار حد أدنى اجتماعي للرواتب والأجور يوازي كلفة سلّة العيش للأسرة, والربط المتحرك ( كل 3 شهور) بين الأجور والتضخم.
ynoon1@yahoo.com