14-03-2012 10:32 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
من الواضح أن الأردنيين يتجهون, أسرع فأسرع, إلى الانخراط في موجة متسعة من الراديكالية الوطنية والاجتماعية, بينما تتبدد فرص التفاهم على المرحلة الجديدة من حياة البلد.
ثمّة, بالطبع, دوافع موضوعية معروفة وراء تلك الراديكالية. لكن, هنالك, أيضا, دوافع نفسية جماعية. وهذا النوع من الدوافع لا يمكن تفسيره بعامل أو سواه, ولا يمكن 'استيعابه' بالوسائل التقليدية والخطاب التقليدي.
بالتطرّف, تنتقم الجماعة الوطنية الأردنية لنفسها من تاريخ طويل من الامتثالية السياسية, ومن التعامل الرسمي - والعربي والدولي - معها كملحق غير محسوب للنظام السياسي. الآن, تريد هذه الجماعة أن تؤكّد ذاتها وهويتها وحضورها. وتأكيد الذات راديكالي دائما, سواء على مستوى الأفراد أم مستوى الجماعات. وهو لا يتجه صوب الاعتدال إلا حين يتحقق.
الجماعة الوطنية الأردنية, اليوم, مهجوسة بمكانة ودور واعتراف, أكثر مما هي مهجوسة بمطالب. المطالب لها وظيفة تأمين مواد الاشتعال. وكلما تم تجاهلها تصبح أكثر اشتعالا. الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي والمعارض التقليدي, لم يعد يعبّر عن وجدان الأردنيين ولا يقنعهم ولا يرضيهم, ولا هم مستعدون للتعايش معه: مَن يناقش الخصخصة من منظور فني لن يجد آذانا صاغية عند الأردني الذي يريد استعادة القطاع العام كجزء من عملية وطنية شاملة. ومَن يفكّر بالمساس - مثلا - بالمكتسبات المحلية في التمثيل النيابي, سيفاجَأ بردة فعل عنيفة غير متوقعة,لن تجعل الانتخابات ممكنة. ومَن يعتقد بإمكانية الحل الأمني إزاء الحراك الأردني, سيجد نفسه أمام خيارين, التراجع أو التصعيد إلى المجهول. ومَن يناقش العلاقات مع إسرائيل بمنطق براجماتي سيجد نفسه معزولا ...
في رئاسة الوزراء يتطلع الأردنيون إلى رجل بحجم وصفي التل. وفي وزارة الخارجية, لم يعد ذلك الدبلوماسي 'المهني' الذي يقول أشياء غامضة أو متهاودة, مقبولا. وفكرة المساعدات لقاء اشتراطات سياسية أو دونها, أصبحت ممقوتة. الكرامة هي الآن قطب الجاذبية السياسية للأردنيين. ولذلك, يتكرر الحديث الساخن عن الحقوق إزاء المكرمات.
سيتطوّع الكثيرون لإعطائي أمثلة مضادة منسولة من التقليد الأردني الامتثالي الفائت. ولدي أنا أيضا أمثلة. ولكنني اتحدث عن تيار صاعد يعبّر عن نفسه بقوة وحيوية ويحفر طريقه بأظافره.
رغم كل المصاعب الاقتصادية, ووسط كل المطالب الاجتماعية والسياسية, علينا أن نلاحظ أن كلمة واحدة أساءت لآباء الأردنيين, كانت أشدّ, في استفزازهم ورفع سقف خطابهم السياسي, من عشرات ملفات الفساد ومن الظل الثقيل للفقر والبطالة. وأنا لا أعني أن الدوافع الاجتماعية والسياسية لا تلعب الدور الرئيسي في الحراك الأردني, لكنني أؤكّد على مركزية الشعور الوطني بوحدة الجماعة وتاريخها ودورها وكرامتها في تحريك الأردنيين.
الشعوب - كالأفراد - تتكوّن لديها أمزجة لا يمكن التعاطي معها بالحسابات. ومزاج الشعب الأردني, اليوم, هو مزاج راديكالي لا يمكن كسره, ولا يمكن استيعابه بحلول ترقيعية. ولذلك, أصبح التغيير الشامل والجذري متطلبا وجوديا للجماعة الوطنية الأردنية التي تريد قيادة لا تتفهم فقط احتياجاتها المادية وإنما, أيضا, احتياجاتها النفسية والمعنوية.
ynoon1@yahoo.com