17-03-2012 11:19 PM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
بقدر ما نحن مدينون بالشكر للحراك الشعبي الذي فتح أمامنا ابواب الأمل بالتغيير وكشف المستور وردع “شراهة” المسؤول، فإننا نخشى أن يصطدم كل ما فعلناه وبنيناه بجدار اليأس وأن يفضي إلى الفوضى والمجهول، وهذا – بالطبع – لا يتحمل مسؤوليته هؤلاء الشباب الذين خرجوا لكي يعبروا عما لحق بالبلد من خراب وما أصابه من انتهاك على يد مسؤولين غابت عنهم الحكمة والأمانة، وانما تتحمله حكومات قدمت نفسها على انها منقذة فإذا بها تحتاج الى انقاذ، ونخب كنا نعتقد أنها مستنيرة فإذا بها مرعوبة، ومجتمع تصورنا أنه استعاد عافيته فإذا به أضعف مما كنا نعتقد.
منذ أن انطلق الربيع الاردني قبل اكثر من عام اتفقنا على أن المطلوب هو “اصلاح النظام”، بما يعني الحفاظ على الشرعية السياسية وعدم تجاوزها، وبما يعني حماية “العرش” الذي يشكل “رمزاً” للدولة وقاسماً مشتركاً بين مكوناتها، وكنا وقتها مطمئنين إلى أن هذه المسألة ستحظى باهتمام المسؤولين في بلادنا، لا بمجرد الايمان فقط وانما بما تعبر عنه “الجوارح” من افعال ومقررات، لكن ما حدث في الشارع كان شيئاً آخر، فقد ارتفعت سقوف الشعارات وجرمت احياناً هذه الشرعية السياسية، وكان من المفترض أن نلتقط هذه الذبذبات والاشارات وأن نتعامل مع رسائلها الخطيرة بمنطق الفهم والاعتبار، لا لإنها تشكل انحرافاً خطيراً في مطالب الاصلاح، وإنما – ايضاً لأنها تحمل نذراً بتغير المزاج العام وتمسّ هيبة الدولة، وتسحب من رصيد المشترك السياسي الواجب احترامه وحمايته لحسابات غير معروفة.. وهذا “السحب” لا يتحمل وزره الحراك الشعبي وانما يتحمله من دفع هذا الحراك نحو هذه السقوف بالمماطلة والدوران في الفراغ، ومن “ورطه” بقصد أو دون قصد في “متاهة” البحث عن “ألغاز” واسرار جرى التغطية عليها دفاعاً عن اشخاص متنفذين، بدل أن يتم كشفها دفاعاً عن الدولة.. وشرعيتها السياسية ايضاً.
لا يجوز أن نستهين بما يجري في الشارع، أو أن نتعامل معه بمنطق “تفريغ” الشحنات، واذا كنا خرجنا في سنوات مضت “راضين” من تجارب سحب شرعية الحكومات والمجالس النيابية باعتبارها “متغيرات” يمكن ان نستبدلهما تبعاً لمزاج الشارع، فإننا الآن امام تجربة اخرى يجب ان نتعامل معها بحذر لأنها تتعلق “بالدولة” وشرعيتها ورصيدها الشعبي، بل ورمزها العام، واعتقد ان الوصول الى هذه المنطقة الخطرة يعني الضرب على العصب العام والانقلاب على كثير من القيم المعتبرة.. وتجرأ البعض على اشهار الشعارات ذات السقوف غير المألوفة، يجب أن نسأل: من دفع الناس لذلك، وماذا فعلنا لضبط المشهد وتجنب الوقوع في هذه الدائرة.. وبدل أن ندين هؤلاء الذين خرجوا للاحتجاج في الشارع وندعو لزجرهم ومعاقبتهم يجب أن ندين “سياسات” خاطئة عمقت احتقانات الناس وافقدتهم صوابهم ورفعت من درجة غليانهم وغضبهم ومن حدة شعاراتهم ومطالبهم ايضاً ويجب أن ندعو – بحرارة – لوقفها على الفور.
إذاً كنا جادين في اعادة اصوات الناس إلى فضائها الطبيعي، وشعاراتهم الى حدودها المألوفة والمقبولة، فعلينا أن نتحرك على الفور على طريق “التحول” الديمقراطي الحقيقي، فهو وحده من يحمي شرعيتنا السياسية من التجريح ويضبط “بوصلتنا” نحو المستقبل الذي يريده الناس وفق معادلات حكم جديدة لا غالب فيها ولا مغلوب.