31-03-2012 09:14 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
عندما التحقت الكتل الجماهيرية المفقرة والمهمشة وغير المسيسة بالحركة الاحتجاجية الليبرالية, تحولت الحركة إلى انتفاضة ناقصة, وتمكن الإسلاميون, من دون عوائق تقريبا في الحالة المصرية تحديدا, من استخدام تلك الكتل الجماهيرية في إطار برنامج سياسي يقوم على ترميم النظام القديم نفسه في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية, لكن على أساس المشاركة الندية في السلطة, وتعميم نموذج إدارة معازل الفقر, من خلال التعصّب الديني والثقافي والأعمال الخيرية, على المستوى الوطني.
أُسقطَ في أيدي العناصر الليبرالية التي لم تفعل سوى أنها قدمت لقوى الإسلام السياسي فرصة استخدام مقولات الليبرالية السياسية ( المتركزة على الانتخابات والتعددية الحزبية) للسيطرة على الحكم, ولكن على الضد من الليبرالية الثقافية. والمفارقة أن الإسلاميين استخدموا صندوق الاقتراع الليبرالي ضد الليبرالية والليبراليين, منهين الأوهام عن إمكانية ظهور إسلام سياسي معتدل متنور تعددي ثقافيا. فحتى حزب النهضة الإسلامي في تونس, ارتدّ, بعد فوزه في الانتخابات, عن الدعاوى الخاصة بالحريات المدنية والشخصية إلى السماح والتواطؤ مع مطوّعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الإسلام السياسي العربي, في واقع حركته الفعلية, لا يستطيع أن يكون مدنيا ومتنورا. وذلك, لأن استيلاءه على/ أو مشاركته في الحكم, مرهونان (1) بالسياق الأمريكي بالذات, ما يمنع الإسلاميين من أية نزعات تحررية أو حتى مواجهة جدية مع إسرائيل, (2) وبالتحالف مع الفئات الكمبرادورية ما يمنع الحكومات الإسلامية من اقتراح أو تنفيذ برامج مضادة للنيوليبرالية والكمبرادورية, (3) وبالدعم الخليجي, السعودي ¯ القَطري, ما يفرض على الإسلاميين اتّباع سياسة شديدة المحافظة ثقافيا واجتماعيا, والشلل إزاء تغيير توازنات النظام العربي الخاضع للهيمنة الخليجية والمصالح النفطية. أعني: إذا كانت شروط حكم الإسلاميين تتمثل في الخضوع للتبعية والكمبرادورية والسلام مع إسرائيل, فما الذي يبقى لهم لكي يجتذبوا الجماهير سوى إثارة التعصّب الديني والمذهبي? إنهم ملزوزون إلى ذلك حتى لو تخيّلنا أنهم أو بعضهم يطمحون إلى رؤية تنموية وتنويرية. فلماذا?
أولا, لأن الإقتصادات النيوليبرالية الكمبرادورية نفسها تحتاج إلى قدر من اللبرلة الثقافية والاجتماعية والحياة المدنية, خصوصا في قطاعات حيوية كالسياحة بالنسبة لكل من تونس ومصر, او إلى الأدوات الربوية في القطاع المالي. وهو ما سيضع الإسلاميين أمام تناقض كارثي, وعلى رغم قدراتهم الأمنية, فإنهم لن يستطيعوا كبح جماح التطرّف الخارج من قمقمه. والتطرّف أساسي لحشد الجماهير وراء الإسلاميين. وفي ظل التوتر الناجم عن التناقضات والفقر والبطالة ¯ والتي لا حلول جذرية لها عند الإسلاميين ¯ ستظل تتعزز فرص الفوضى الأمنية والإرهاب وضياع الاستقرار وتنامي هجرة الفئات الوسطى الخ . وهي كلها ¯ وسواها ¯ عوامل تهدد بالمزيد من التدهور الاقتصادي, والمزيد من الانكشاف أمام المساعدات الخليجية.
ثانيا, في ضوء كل ما سبق, للإسلاميين, موضوعيا وبغض النظر عن وعيهم الذاتي بها, وظيفة أمريكية ¯ خليجية ¯ إسرائيلية, تكمن في خلق مناخ جماهيري عربي يسهّل محاصرة إيران أو ضربها وتقزيم دور حزب الله أو ضربه وحماية الخليج كله من رياح التغيير. وهذه كلها تستلزم تصعيد العداء المذهبي السنّي ¯ الشيعي إلى الحدّ الذي يتحوّل فيه الشيعة إلى العدو الرئيسي للكتلة الجماهيرية السنية. وهذا الدور منوط بالإخوان المسلمين والسلفيين والسلفيين الجهاديين. وهم ¯ بما في ذلك حركة حماس ¯ مقيّدون بأداء تلك الوظيفة التي تنسجم مع مصالحهم باستمرار التحكّم بجماهير'هم' رغم التردي المتوقع أكثر فأكثر بشروط العيش والحياة في البلدان العربية الواقعة تحت سلطة او نفوذ الإسلام السياسي السني. بالمقابل, سيتمكن الإسلام السياسي الشيعي, خصوصا في العراق, من استغلال الصدام المذهبي للإمعان في تحشيد جماهير'ه' المفقرة وراء قوى مذهبية لا تزال عاجزة عن إعادة بناء الدولة الوطنية في العراق.
ynoon1@yahoo.com