فايز الفايز

للأسف على الجميع أن يعلم أن المرضى ومرافقيهم من «أشقائنا» الليبيين ، باتوا يرحلون عن عمان ومستشفياتها وفنادقها وشققها الفندقية وأسواقها ، في طريقهم الى بلادهم ، بعد أن مرّوا بتجربة لا يحسدون عليها ، ولانحسد نحن على نتائجها أيضا ، فقد كشفت إحدى القنوات التلفزيونية الليبية في تقرير لها من عمان ، مدى الجشع والطمع والاحتقار واللا إنسانية في تعامل «البعض» ممن يصنفون أنفسهم بأهم المستشفيات الخاصة ، مع المرضى والجرحى الليبيين ، ولم يكتفوا بذلك ، بل أن المرضى من المواطنين لم يعد بوسعهم مراجعة المستشفيات الخاصة ، بذريعة عدم وجود أسرّة ، ولم تخصص الغالبية منها غرفا للمرضى المحليين .
الخدمات الطبية الملكية ممثلة بمدينة الحسين الطبية لم تخيب الظن فيها ، فهي الوحيدة التي لم يطالها أي شبهة « إتجار بالمرضى» فجميع التصريحات والشكاوى من المسئولين الليبيين أنصفت هذه المؤسسة العسكرية العظيمة ، وأكدت على أنها تقدم أفضل خدماتها للمرضى والجرحى الليبيين دون أي زيادة في الأسعار أو إصدار فواتير مبهمة ، وهي التي تسترنا دائما وتجعلنا نطمئن الى أن هناك « شرفا لمهنة الطب» لا يخونه أهله .
لقد كان موضوع الخلاف بين المستشفيات الخاصة والحكومة الليبية ، هو موضوع قيمة الفواتير الباهظة جدا ، وأسعار المنامة والأطباء ،و مما قد لا يتصوره عقل ، أن لدينا فئة من «الأطباء المرضى ماديا» وبعض المستشفيات بحاجة لعلاج بالكي لمداواة قيح الجشع الذي حول الطب من مهنة إنسانية ، الى مهنة تثري أصحابها ماليا على حساب «شرف المهنة» أولا ، وعلى آلام المرضى وجيوب ذويهم ، فهل يعقل أن يسجل مستشفى ما فواتير لغرف طابق كامل ، والطابق غير موجود أصلا ؟ وآخر يسجل جميع غرف مشفاه على أنها « أجنحة» ، وثالث يقدم فاتورة بتسعة آلاف دينار ثمنا لسماعتي أذن قيمتهما الأصلية لا تتجاوز 800 دينار ، ثم يتم تهديد المريض بمنع العلاج عنه أو إخراجه إن لم تسدد الحكومة الليبية قيمة الفاتورة اليوم وليس غدا !
لقد كان الإتفاق الأولي على معالجة عشرين ألف مريض وجريح ليبي ، بتكلفة إجمالية تبلغ مليار دولار ، وبات السوق الأردني سوقا ساخنا في موسم الشتاء ، وبدل أن تتدخل الجهات الرسمية لمساعدة اللجنة الليبية المعنية بتسكين وإدخال المرضى في الفنادق والمستشفيات ، تركتهم في عرّاء وعناء المواجهة مع تسعيرة مزاجية لا ترتبط بأي سقف ولا تفصيل ، تماما كما هي عادة المواطن مع جميع المستشفيات ، إذ لا نعرف لماذا التفاوت الكبير بين أسعارها مع تشابه الخدمة الطبية والفندقية ، فمعظم المستشفيات التي لاحقتها الشكاوى سابقا سلخت ما تبقى من جلود مواطنينا ، وهي اليوم استكملت سعيها لتنتظر بقية الملايين التي استعدت هيئة الجرحى الليبيين برئاسة الحاج رجب العبيدي بدفعها بعد تدقيقها من قبل شركة تدقيق مرخصة ومعتمدة حتى لا يظلم أي طرف .
المعضلة لم تقتصر على عدد من مستشفيات القطاع الخاص ، بل تجاوزت ذلك الى عدد من الفنادق والشقق الفندقية التي رفعت أسعارها أضعاف أضعاف السعر المعتاد ، وكأنهم في حرب مكاسب ، ولا أدري لماذا تدخلت « جمعية الفنادق الأردنية» في مسألة تسكين الجرحى والمرضى الليبيين ، فعلاقتها أصلا لا تتعدى الأمور الإدارية والتنظيمية بين الفنادق ، ولا علاقة لها بحجوزات الزبائن ، ما دعا اللجنة الى إيقاف التعامل معها ، وهذا يستدعي من المعنيين في قطاع الفنادق الكبرى إعادة تشكيل الجمعية وإخراج المرتزقة منها .
اليوم وجدنا أنفسنا أمام رحلات جوية يومية تعيد نقل الجرحى الليبيين الى وطنهم ، مقابل توقف وزارة الصحة الليبية عن إرسال أي شخص من هناك إلا بعد تدقيق حالته ، وهذا يعني ، فشلا أخلاقيا واقتصادي وسياحي لنا ، في أهم اختبار للسياحة العلاجية أمام القطاع الخاص و الذي يلهث وراء الربح الفاحش بأي وسيلة ، وهذا مس الصورة الجميلة للمهنة والوطن والأخلاق الأردنية التي طالما كانت مخزوننا الوطني .
المشكلة ليست في أن بعض المستشفيات قد استغلت «ثقة الليبيين» الذين اختاروا استكمال علاج مرضاهم في الأردن برضاهم ، بل مشكلتنا ، يا دولة ، و يا حكومة ، و يا قطاع خاص ، و يا شعب ، في الخشية من السقوط الذريع للثقة في قطاعنا الطبي الذي كنا نفاخر به عالمنا العربي ، ونعتبره «حقل نفط علمي» ، كما كان قطاع التعليم الجامعي الذي بات هو الآخر يصارع لتثبيت قدميه في ركاب التقدم والتطور الذي يبتعد عنا شيئا فشيئا ، بالتزامن مع التقدم الهائل للدول العربية المحيطة بنا بهذه المجالات ، فهل من سامع ؟!