03-04-2012 07:44 AM
كل الاردن -
نصوح المجالي
شواهد كثيرة في اكثر من ساحة عربية تؤكد أن الاخوان المسلمين رجحوا خيار السيطرة التامة بالاغلبية على المشاركة والتعدد السياسي ومع أن السيطرة بالاغلبية مبدأ ديمقراطي ليبرالي مهم اذا اقترن بالتداول السياسي, الا ان هذا المبدأ يختل عندما يكون الهدف البعيد شمولي وليس ليبرالي أي فرض لون سياسي وفكري محدد يصل بالديمقراطية ثم يغلق ابوابها على المدى البعيد حتى عن اقرب حلفائه.
هل نحن بصدد الحزب والتيار السياسي الديني الواحد, الذي يصل بالديمقراطية ويستمر بدونها, اسئلة تطرح في معظم الساحات العربية وهل نحن بصدد استبدال حزب حاكم اوحد قومي أو وطني, بحزب أوحد لتيار ديني شمولي, والى أين سيقودنا ذلك سياسياً, وما هي الاولويات السياسية للتيار الديني الصاعد؟
والسؤال الآخر هل الحراك الشعبي في الشارع مجرد ظاهرة شعاراتية وصوتية تنكسر على ابواب صناديق الانتخاب ليتراجع الرفاق من غير الحزب الاسلامي في السباق الانتخابي وتعقد الغلبة للتيار الاسلامي المنظم؟
وهل سنقيم في الاردن ديمقراطية على حزب ديني واحد ترسخ واستفاد في فترة سماح طويلة بلغت عدة عقود كان وحده الحزب المهادن للدولة, مما رسخ اطره التنظيمية المالية والدعوية في الوقت الذي كانت فيه الاحزاب الاخرى مطاردة من الدولة وممنوعة, وهل اكتساح الاخوان لانتخابات نقابة المعلمين يمثل رسالة سياسية ذات دلالة واضحة للدولة الاردنية ستتبعها رسائل واختراقات اخرى في الانتخابات البلدية والبرلمانية المقبلة.
يقول البعض اذا كان هذا خيار الشعب الاردني فلماذا الاعتراض فقد كان هذا خيار الدولة، منذ عقود، عندما احتضنت تيار الاخوان المسلمين منذ نشأة الدولة، ووفرت له كل اسباب النجاح والتمكن.
كانت اجهزة الدولة في الماضي تحاول اختراق تنظيمات الاخوان المسلمين لتوجه الدفة من داخل التنظيم الاخواني وهذا امر معروف، اما الآن، فالاخوان المسلمون اخترقوا كوادر الدولة وقياداتها العليا واستقطبوا عدداً من رموزها السياسية لتوجيه الدولة باتجاه أهدافهم السياسية، ولهذا تحولت اولويات الاخوان المسلمين لإحكام السيطرة على الدولة؟
لقد تجاوزت الانتخابات رموزاً مهمة من رموز حراك المعلمين، ممن ناضلوا طويلاً لتجسيد نقابة المعلمين، وسيتجاوزوا مع الزمن أيضاً، الرموز والشخصيات التي تحاول اليوم أن تعبر سياسيا في مركبهم، ولن يقبلوا من المعارضة التي تنسق معهم سوى التبعية التي توصل الاخوان وتقصر عند غيرهم.
هذا ما حدث في مصر، فالحلقات السياسية، تضيق على القوى السياسية والوطنية الاخرى وتتسع امام تيار الاخوان المسلمين والسلفيين، ودليلنا الصراع الدائر حالياً حول الاستئثار بلجنة الدستور التي سيطر عليها الاخوان ويفترض ان تضم جميع الاطياف السياسية والفكرية في مصر.
وما احتجاج رموز مهمة كالازهر والاقباط والمستقلين والقوى الوطنية الليبرالية واليسارية، وحتى العسكر ممن ذاقوا ذرعاً بخيار بالسيطرة الاخوانية التي ضيّقت الساحة على القوى الاخرى الا رسالة ذات دلالة سياسية واضحة, فاذا كان هذا هو الخيار الذي تبناه الاخوان فالى أين سنصل؟
الديمقراطية ليست فقط تحقيق فوز بالاغلبية ولكنها تحقيق عدالة واستقرار ومشاركة وتوازن سياسي واجتماعي في المجتمع والدولة وقد تعلمنا من الماضي ان الطيف السياسي الذي يهيمن على جميع حلقات العمل السياسي، كما في التوجه الاخواني الحالي في مصر، كالسيطرة على كتابة الدستور، والبرلمان والشورى، والحكومة، والرئاسة، ليس سوى حكم أحادي شمولي آخر تحت مظلة دينية سياسية, أهذا هو الربيع العربي ونتائجه؟
من هذا المنطلق نفسر اصرار الاخوان المسلمين على تخصيص 50% من مقاعد البرلمان لدائرة الوطن، مع ان كوادر جميع الاحزاب تمثل اقل من عشرة بالمئة من السكان حتى اذا احتسبنا انصارهم أيضاً، وهذه النسبة ستذهب في معظمها لتنظيم الاخوان المسلمين على حساب سكان المناطق الفرعية التي يسعون لالغاء نصيبها من المقاعد فقوة الاخوان الحقيقية في المدن، واذا ما حاز الاخوان على نصف ما تبقى من مقاعد المحافظات ومناطقها تنعقد لهم المغالبة.
وتأتي الخطوة الثانية بتحقيق نسبة مماثلة في مجلس الاعيان اذا تحقق مطلبهم بانتخاب مجلس الاعيان بحيث لا يكون للحكومة او الدولة نصف ضامن في الاعيان له الحق في مراجعة القرارات البرلمانية، وتصبح الدولة بلون واحد اخواني عصي على التداول.
نحن لا نتحدث عن الدين فالاخوان ليسوا اكثر إسلاماً من الاردنيين غير المُنخرطين في حزبهم، ولكن نتحدث عن الخيارات السياسية المستقبلية التي سيتم فرضها في النظام السياسي ليس فقط في الاردن وانما في الساحة العربية فالاخوان يسعون الى حكومتهم ونسقهم السياسي, وحتى الحكومات التي تحاول لعب دور حليفهم، سيتجاوزونها كما تجاوزوا الحراكات الشعبية التي اوصلتهم، وتعاملوا معها كأدوات تـُستخدم لمرحلة مؤقتة حتى يستكمل التيار الاخواني ادواته، وهذا ما نحن سائرون اليه.