|
|
هل تخلو المدارس من بذور التوتر الاجتماعي
بقلم : سميح المعايطة
26-04-2012 12:57 AM
(العنف) ليس اليد التي تضرب بل الثقافة التي تدفع وتبرر .
الكثيرون يتحدثون عن العنف في الجامعات, وهي ظاهرة مقلقة, لكنها في حقيقتها نقل لعنف نمارسه في حياتنا العادية من مشاجرات وشتائم واستخدام الاسلحة والعصي والايدي الى ساحات الجامعات, ومن يمارس هذا هم من يحملون النوعية ذاتها من الثقافة والتربية بغض النظر عن الجامعات التي يدرسون فيها, ومن الضروري في سياق رفضنا ومكافحتنا للعنف ان ندرك حجمه من دون ان نطلق تعميما بأن طلبة الجامعات يمارسون العنف, وهذا لا يقلل القلق مما يجري وضرورة السعي الجاد الى محاصرة الظاهرة.
لكن جانبا من ملف العنف الذي يجب ان نلتفت اليه هو ما يجري في مدارسنا حيث هناك من السلوكيات العنيفة ما يستحق التوقف عنده للعلاج.
في المرحلة الثانوية - اي الصفوف الثلاثة الاخيرة من التعليم المدرسي - هناك عنف لكنه وفق »امكانات وقدرات« طلبة المدارس, حيث لا تتوفر المسدسات ولا غيرها من الاسلحة لان مدارسنا الحكومية والخاصة ما زال فيها مستوى معقول من الضبط العام, لكن طلبة المدارس هم انفسهم الذين ينتقلون للجامعات, وكل العادات السلبية او الثقافة المتعبة لا يكتسبها الطالب في الجامعات بل تأتي معه من البيت والمدرسة.
»عنف المدارس« قضية تستحق ان تتوجه اليها الدراسات والاجراءات, لان الطلبة في المرحلة الثانوية يدخلون مرحلة عمرية حساسة, وتكون هناك حالات تمرد متزايد على المعلم والادارة, ومن يقترب من المدارس الخاصة والحكومية يجد امامها ممارسات تمثل بذرة العنف في الجامعات والعائلة والشارع, لان طلبة المدارس هم من سينتشرون في مرافق المجتمع ومنهم طلبة الجامعات والمعاهد واهل المهن المختلفة ...
وحتى لا نكون مثاليين فان هناك فرقا بين السلوكيات العادية من احتكاك طبيعي يجرى بين البشر, وبين جنوح بعضهم الى العنف بكل اشكاله, وهناك افكار عنيفة مصدرها التعصب سواء كان دافعه رياضيا او جغرافيا, وهناك ممارسات تتجاوز ما نعتقد انه طبيعي ومقبول.
مرة اخرى وحتى لا نظلم مجتمعنا فان علينا التفريق بين الممارسات الطبيعية للبشر حتى وان كانت خطأ ويجب علاجها وما يمكن عدّه ظواهر سلبية ومؤشرا على مشكلات في بُنية المجتمع وقيمه ومنظومة اخلاقه, ولهذا فنحن نحتاج الى منهج يضع المشكلات في حجمها الحقيقي, ويقدمها في اطارها العام من دون تضخيم ولا تهوين, فهوشة في الجامعة يمارسها طالب امر قد يحدث, لكن عندما يمارسها وهو يعتقد انها تعبير عن رجولة وكرامة, وان هويته الاجتماعية وربما الوطنية لا تستقيم اذا لم يرفع سلاحه او يجمع انصاره فهنا المشكلة.
وحتى نعالج الامور بعيدا عن الانفعال علينا ان نحدد من هي المجموعات التي تمارس العنف, ولماذا لديها اوقات فراغ لهذا, وهل القضية تنتهي لو توفرت صالة بلياردو عنفية أم اننا نتعامل مع شاب رباه والده على ان الرجولة تعني هذا, او شاب رأى والده يبصق على من يتجاوز عنه في الشارع فزرع فيه سلوكا عنيفا حوله الى هتافات عنيفة في الملعب او مشاجرة في جامعة او في اي مكان آخر.
نحن من ربينا ابناءنا على ان »الرجل« يُقيم ما يشاء من علاقات مع »البنات« ومن حقه ان يفاخر بها حتى وهي تخالف الدين والعادات وتعتدي على اعراض الآخرين, لكن ان رأى شابا يقف مع احدى بنات اقاربه اقام الدنيا وجمع الانصار واشتعلت المشاجرات, وكأن الرذيلة مباحة له ولأمثاله ومحرمة على غيره!!
ورغم كل ما نراه ونرفضه من احداث إلا اننا لا نعيش ظاهرة عنف بل هي احداث, لكن السكوت على ما يجري قد يحولها الى ظاهرة, لكن العنف يزرعه الكبار, وتغذيه قيم سلبية, ونربي - من دون ان ندري- ابناءنا على ما نحاسبهم عليه بعد ذلك.
هناك عنف في السياسة, وعنف في العمل العام, وعنف في بعض الاعلام وفي ممارساتنا اليومية من زواج وطلاق وعزاء, نقود سياراتنا والتوتر حاضر, نشتري ونحن نضع ايدينا على الزناد مستعدين لأي »هوشة«.
عنيف من يشتري اصوات الناس في الانتخابات, وعنيف من تحمله علاقات الليل والنهار الى مواقع المسؤولية, وعنيف من ينسى الله تعالى والخلق وهو يمد يده الى مال الدولة, وعنيف من يتاجر بقضايا الناس ليصنع شعبية لشخص او حزب او مجموعة, وعنيف من لا يهمه استقرار الناس وحياتهم الطبيعية ليحقق مكسبا ...
ما سبق ليس خروجا على قضية العنف لكن المشكلة ليست في اليد التي تضرب او تطلق الرصاص او اللسان الذي يشتم بل في العقل والثقافة التي تدفع لهذا وتبرره.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|