أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 17 أيلول/سبتمبر 2024
الثلاثاء , 17 أيلول/سبتمبر 2024


البدارين يكتب : رهانات الاسئلة الوجودية في المنطقة

بقلم : اللواء محمد البدارين
09-09-2024 06:43 AM

لأسباب حقيقية وأخرى دعائية ، كانت اسرائيل ولا تزال هي الأكثر تحسبا لمخاطر التهديد الوجودي ، وهي منذ ظهورها تستغل بشكل كفوء ومستمر هذه المسألة، ما أتاح لها دائما فرصا هائلة للحصول على الدعم والتأييد، غير أنها الآن تواجه لأول مرة ، اختبارا صعبا بات يزعزع أركان روايتها الاولى ويلحق بسمعتها أضرارا كبيرة، خاصة في الساحات الشعبية الغربية.

وفي هذه الأوقات، التي تنبعث فيها المخاطر الوجودية في اسرائيل ، وفي هذه المنطقة عموما المملؤة بالصراعات، كان الأردن يجد نفسه دائما على خطوط المواجهة، وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي ، او الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، الذي يوصف أحيانا بأنه صراع وجودي ، وبذلك يكون التهديد الوجودي الذي تتحسب منه إسرائيل ، قابلا للتحسب في المحيط العربي أيضا.

ففي الشرق الأوسط، الذي تتقيح جروحه المزمنة بشكل متزايد عاما بعد عام ، وتتحرك أزماته العميقة بصورة غير قابلة للاحاطة ، وتتداخل فيها عوامل وأسباب كثيرة ، ذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية مختلطة ، كان الأردن ولا يزال عرضة للتشكيك بحقيقة وجوده ، رغم مرور مائة عام على قيام دولته الحديثة ، كسائر دول المنطقة التي ظهرت للوجود بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، ومن اقوى مصادر هذا التشكيك المستمر ، هي الأجنحة اليهودية المتناوبة على الحكم في اسرائيل، التي يتوافق معها بعض من العرب والأجانب، لكن هذا البعض على قلته ، ذا صلة وتأثير.

وبات من المؤكد، أن كل التداخلات الاردنية الاسرائيلية ، والاردنية الفلسطينية ، والفلسطينية الإسرائيلية ، منذ مؤتمر مدريد وحتى الآن ، لم تعط أي طرف من هذه الأطراف الثلاثة فرصة نهائية للنجاة من تبعات الصراع، بل إن عناصر الواقع المتحركة ، قد تغلق الباب امام اي حل تفاوضي مقبول للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وللطرف الاردني ايضا.

فاسرائيل القوية عسكريا تستشعر مخاطر قائمة ومتوقعة، وحاجتها للأمن حسب مفهومها لا يمكن إشباعها من قبل محيطها العربي، إلا بمزيد من التنازلات التي يصعب تقديمها، ولو كانت قابلة للطرح عبر نقاشات مفترضة، يجري عرضها بين وقت وآخر على شكل تحليلات صحفية.

وفي واقع الحال، فقد تخلت اسرائيل عن خطة اوسلو وتجاوزتها فعليا، وقضايا الحل النهائي المؤجلة، عفا على مواعيدها الزمن ، وهذه المؤجلات، هي القضايا الجوهرية في الصراع، ( الحدود ، القدس ، اللاجئين ، المستوطنات ، المياه ، السماء ) وهي قضايا ذات مساس بالمصالح الوطنية الأردنية ، فلطالما قال الأردن أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة مصلحة اردنية عليا.

ويبدو أن عقل اسرائيل الاستراتيجي ، لا يوجد فيه ، حتى الآن ، سوى المقترح القديم ، وهو إلغاء الصراع ، مقابل حل اقتصادي متخيل ، يتيح للآخرين من غير اليهود أن يعيشوا بجوار اسرائيل وعلى هوامشها ، مع مزايا سوقية خاصة لفئات طفيلية محدودة ، وهذا الحل هو نفسه مبادرة كوشنر أو صفقة القرن ، وهو نفسه مادة كتاب شمعون بيريس، الذي يعد بسلام يشبه السراب ، يتحول بفضله الشرق الاوسط من اللون الاسمر الى اللون الاخضر ، على حد وصفه ، ووفق هذا المفهوم الاسرائيلي الاصلي، فان هذه هي دولة اسرائيل اليهودية القائمة على أرض إسرائيل ، ولسكانها العرب جزء مقتطع هناك شرقي النهر ، ولا داعي لدولة عربية ثانية غرب النهر ، ويشكو نتنياهو مجددا من ضيق مساحة (إسرائيل ) بين النهر والبحر ، ويقول انها لا تعادل سوى واحد بالمائة من أراضي العالم العربي.

لا جدوى، من استعراض أخطاء التاريخ عبر قرن مضى ، لكنه بالرغم من كل الأخطاء ، فقد كبرت الحقيقة الوجودية الفلسطينية و تكرّست بشكل لم يعد ممكنا انكارها ، كما أن الدولة الاردنية حقيقة وجودية متجذرة، فهل يمكن أن تقبل اسرائيل بهذه الحقائق الوجودية، أم ستظل مصرة على انها هي الحقيقة الوجودية الوحيدة؟.

حتى الان، يبدو ان اسرائيل تزداد إصرارا على رؤيتها للصراع، رغم أن فظائع ما يجري في غزّة ، خلقت فرصة تحولية في المفاهيم الدولية ، قد تكون قابلة للاستغلال من قبل الطرف الفلسطيني والأطراف العربية ، لممارسة ضغط مكثف على اسرائيل ، وخاصة في الساحات المركزية الداعمة لها، ويبرز على هذا الصعيد الجهد السياسي الأردني فعالا بشكل واضح.

وفي مجمل هذه السياقات، تبدو عبارات الصحفي اللبناني غسان شربل بعد لقاء له مع جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2019، ملائمة أكثر ، حيث يقول : ( دخلت مكتب الملك ووجدته مرتديا الزي العسكري وفهمت أنه عائد للتو من زيارة مفاجئة لإحدى الوحدات العسكرية ، ولا غرابة في الأمر ، اننا في منطقة الشرق الأوسط وهي ولاّدة للمفاجآت والأخطار ، وإذا كان على الحاكم أن يتحسس باستمرار ارقام اقتصاد بلاده، فإن عليه التأكد دائما من جهوزية جيشه، ومن الثوابت في جيش الاردن انه لا يستطيع الاستقالة من المصير الفلسطيني).



التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012