أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 17 أيلول/سبتمبر 2024
الثلاثاء , 17 أيلول/سبتمبر 2024


عقدة محور «فيلادلفيا» المصطنعة

بقلم : | عبد المنعم علي عيسى
09-09-2024 07:26 AM

لا يحظى تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ«محور فيلادلفيا»، الذي قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عنه، نقلاً عن مسؤولين من دول وسيطة، إنه بات يمثل العقبة الكبرى أمام التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، فالأخير ما انفك يعلن يومياً، تقريباً، عن عزمه على التمسك ببقاء قواته على ذلك المحور، وآخر ما قاله في مؤتمره الصحفي يوم الـ4 من أيلول الجاري أن «محور فيلادلفيا» أصبح منذ خروج إسرائيل من غزة عام 2005 معبراً لتهريب الأسلحة المقدمة من إيران، وأن مصر لم تنجح في منع تهريب الأسلحة، وأضاف: إن هدفه هو «تحرير الأسرى، وتدمير قدرات حماس بحيث لا تشكل تهديداً من جديد»، وإن هذا لن يتم إلا «بالسيطرة على محور فيلادلفيا»، وما يلفت النظر هنا هو شدة تصريحات نتنياهو المتمسكة بالبقاء على هذا المحور الأخير على الرغم من أن إسرائيل خاضت، تحت قيادته، حروباً أربعاً سابقة ضد غزة أعوام 2012 و2014 و2018 و2021، وفي كلها لم يأت أحد، لا نتنياهو ولا قادته العسكريين أو السياسيين، على ذكر أن السيطرة على المحور هو فعل ضروري لتحقيق «الأمن الإسرائيلي»، وإذا ما كانت أمور أخرى قد استجدت في ما بعد تلك الحروب الأربع، وأفضت إلى رؤية تقول: إن معبر «فيلادلفيا» بات يمثل المصدر الأساس لحركة «حماس» في بناء قدراتها وتسليحها، فلماذا لم يبدأ الجيش الإسرائيلي عدوانه على غزة انطلاقاً من رفح؟ ألا يعتبر السيطرة على خطوط الإمداد فعلاً من الأولويات التي يضعها أي جيش على رأس هرمه عندما يصبح الأمر ببدء القتال نافذاً؟

يشهد الداخل الإسرائيلي انقساماً حول تلك النقطة إلى معسكرين اثنين، الأول يترأسه نتنياهو وهو يرى أن ما من سبيل لترجمة «المكاسب» التي تحققت سوى بالسيطرة على «فيلادلفيا»، والمؤكد هو أن المعلن لدى الأخير، في هذا السياق، يخالف المضمر، والثاني فيه العديد من الأقطاب أبرزهم بيني غانتس، وهو قائد سابق للجيش الإسرائيلي وعضو سابق أيضاً في حكومة الحرب التي قامت ما بعد الـ7 من تشرين أول المنصرم، الذي يرى أن «إسرائيل لا تحتاج إلى الاحتفاظ بقوات في منطقة الحدود الجنوبية لقطاع غزة»، وإن ذلك «يجب ألا يستخدم كمسوغ لمنع التوصل إلى اتفاق لاستعادة الرهائن»، وفقاً لما جاء في مؤتمر صحفي عقده هذا الأخير في الثالث من شهر أيلول كرد على المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو في اليوم السابق لهذا اليوم الأخير، أما غادي إيزنكوت، الوزير السابق أيضاً في حكومة الحرب، فقد قال: إن «نتنياهو رفض إدخال أي تعديلات على أهداف الحرب التي لم يتحقق أي منها، وذلك لاعتبارات سياسية وحزبية»، وإذا ما خرجنا نحو دائرة أبعد عن «قماشة» نتنياهو وائتلافه، سنجد لغة أعلى عند يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، الذي وصف تصريحات نتنياهو سابقة الذكر بأنها «خدعة سياسية لا تمت للواقع بصلة»، وفي الفضاء الأبعد، الدولي والإقليمي، أكدت مصر أن نتنياهو يحاول خلق حالة انسداد في المفاوضات الجارية حول الحرب في غزة على أمل وصول حليفه المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، والذي يأمل من خلاله الحصول على دعم أكبر يضمن بقاءه السياسي، في حين اكتفى الرئيس الأميركي جو بايدن بالقول: إن «نتنياهو لا يفعل ما يكفي لتأمين اتفاق»، وعلى الرغم من أن القول الأخير لم يكن يحمل لهجة حادة، لكنه من النوع الذي يضيق هامش المناورة لدى الأول.

تشير المعطيات السابقة إلى وجود انقسام إسرائيلي داخلي حول مسألة التمسك بوجود عسكري على المحور الذي يمثل شريطاً حدودياً مع مصر بطول 14 كم، ويعتبر منطقة عازلة وفقاً للاتفاقات التي وقعتها الأخيرة مع كيان الاحتلال عام 1979، وتشير أيضاً إلى وجود ضغوط خارجية، إقليمية ودولية، تختص بالمسألة نفسها، لكن ذلك، جنباً إلى جنب مع التظاهرات التي شهدها الشارع الإسرائيلي مؤخراً في أعقاب عودة 6 جثث من الأسرى، لم يحرك مواقف نتنياهو عن موقفه الداعي للتمسك بـ«محور فيلادلفيا»، والسؤال الأبرز هنا: لماذا؟ ثم: كيف يستطيع مواجهة ذلك كله؟

إذا ما صدق تقرير الـ«واشنطن بوست» سابق الذكر فإن تمسك نتنياهو بذلك الوجود يمثل بالنسبة إليه سبيلاً وحيداً لاستمرار الحرب، والراجح، وفق كل المعطيات، هو أن نتنياهو يريد استمرارها حتى نهاية العام، أي ريثما ينقشع «الضباب» الأميركي، وعندها فقط تتحدد الخيارات الأنسب، ومن دون شك فإن الأخير كان قد اشتم في ما قاله المرشح دونالد ترامب عاملاً مشجعاً يغري بتمديد رحلة الإبادة، خصوصاً أن القول كان الأعلى سقفاً مما قاله مسؤول أميركي منذ قيام «دولة» إسرائيل، فترامب قال: إنه «ينظر إلى خريطة إسرائيل فيراها صغيرة»، وفي الإجابة عن السؤال الثاني يمكن الجزم أن واشنطن ليست جادة في استخدام أوراق الضغط التي تملكها لوقف حرب باتت تمثل «اللطخة» الأشد سواداً مما تعرض له «جبين الحضارة الغربية» منذ قرن على الأقل، والفعل ليس ناجماً عن دخول البلاد مرحلة الحسم الانتخابي التي يتحول فيها الرئيس إلى «بطة عرجاء» كما يحلو للصحافة أن تصفه، وإن كان لذلك اعتباراته غير القليلة، بل ناجماً عن استراتيجية مفادها وجوب عودة «الذراع» الإسرائيلية إلى ما كانت عليه قبل الـ7 من تشرين أول المنصرم على الرغم من استحالة ذلك أيا يكن الدعم المقدم لتلك الذراع التي لم تعطب، فقط، بجسدها بل بـ«روحها» أيضاً.

الوطن السورية

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012