أضف إلى المفضلة
الخميس , 19 أيلول/سبتمبر 2024
الخميس , 19 أيلول/سبتمبر 2024


الديمقراطية وحقوق الإنسان

بقلم : د. نهلا المومني
15-09-2024 03:33 PM

في كتابه 'الديمقراطية وحقوق الإنسان' يؤصل الدكتور محمد عابد الجابري لإشكاليات وتحديات في السياق المجتمعي العربي تحول دون الوصول في أحيان كثيرة الى المأمول على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان. تحدياتٌ قد يشكل التفكر في مضامينها عاملا مساعدا في فهم الفجوة بين ما هو قائم وما يجب أن يكون.

وفي هذا يشير الجابري إلى إحدى هذه الإشكاليات والمتمثلة في أنّه من الثوابت التي حكمت وما زالت تحكم علاقة الفكر العربي النهضوي بالفكر الأوروبي الحديث والمعاصر أنّ ما يظهر من أفكار ونظريات في أوروبا كنتيجة لمسلسل من التطور قد يمتد قرونًا إلى الوراء، يأخذه الفكر النهضوي العربي كمقدمة يبني عليها تطلعاته وطموحاته النهضوية، وبعبارة أخرى أنّ ما كان مشروطًا أو معلولًا يؤخذ هنا كشرط أو كعلة. ومن ذلك مسألة الديمقراطية وفهم أبعادها وتجلياتها وضرورة العمل على استنباتها في تربتنا؛ حتى تكون على صلة عضوية بمعطيات واقعنا، الشيء الذي من دونه لا يمكن أن تتحول إلى محرك للتغيير وعامل محفز للتجديد ومؤسسٍ للتقدم.

يستكمل الجابري في معرض تشخيصه لواقع الحال في أن هناك غيابا لفهم متجذر للدور المحوري الذي تلعبه الديمقراطية كضرورة قومية ووطنيّة لتحقيق الاندماج على صعيد القرية والمدينة والقطر والوطن العربي ككل...؛ فالديمقراطية تؤدي إلى قيام صراعات، ولكنّها صراعات أفقية، أي طبقة ضد طبقة وأيديولوجيا ضد أخرى وعقلية ضد عقلية، والنتيجة في هذا الصراع هو ظهور الجديد من جوف القديم، والوصول إلى نتائج جديدة وبالتالي تحقيق التقدم. أما غياب الديمقراطية فهو لا يؤدي إلى انتفاء الصراع وإنّما يصرفه إلى القوالب العتيقة كالقبيلة والطائفة وغير ذلك؛ مما يجعل منه صراعًا عموديًا، حيث يقف الفقير والغني في صف ليقاتلا الفقير والغني في الصف الآخر، مما يجعل الصراع فتنةً واقتتالاً وتدميرًا للذات.

بالرغم من هذه التحديات والإشكاليات سالفة الذكر وغيرها من تحديات عرضها الجابري في متن مؤلفه الجدير بالقراءة، إلا أنه ختم أحد فصول كتابه بتعزيز ثقافة الأمل التي نفتقدها كمنهج حياة وسبيل للتغيير؛ حيث يشير إلى أنّ المطالبة بالديمقراطية في الوطن العربي، هي في الحقيقة مطالبة بإحداث انتقال نوعي لم يشهد عالمنا الفكري ولا السياسي ولا الاجتماعي والاقتصادي له مثيلًا، لذا لا بدّ من نفس طويلٍ ولا بدّ من عمل متواصل، وإذا حدث وأسفرت تجربة الديمقراطية في بلد ما عن غير ما كان يجب أن تسفر إليه، وإذا أعقبها أو رافقها ما هو غير ديمقراطي إطلاقًا، فينبغي أن لا نفقد إيماننا في الديمقراطية ذاتها، فالديمقراطية في مجتمعاتنا ليست قضيةً سهلة، وليست انتقالًا من مرحلة إلى مرحلة، بل هي ميلادٌ جديد.

نهلا عبدالقادر المومني / الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012