أضف إلى المفضلة
الإثنين , 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الإثنين , 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


عندما سألت أبي كم كلفتك دراستي؟

بقلم : رشاد ابو داود
17-11-2024 11:32 PM

ضحك أبي عندما سألته : بالله يابا كم كلفتك دراستي في الجامعة؟ وقال، ما بعرف يابا أي هو أنا كنت أحسب عليك كم كلفتني دراستك. كان همي تدرس في الجامعة. وقتها كان دخل أبي الخضرجي يتراوح بين أربعين و ستين ديناراً. أقصد بوقتها آخر الستينيات وأوائل السبعينيات. وكان مصروف الطالب في جامعة دمشق بين 13 و 15 ديناراً قبل التطورات والغلاء. عندما ألحيت عليه قال والله ما بعرف يمكن حوالي 400 أو 500 دينار.

حدث ذلك عندما كنت قادماً في أول اجازة سنوية من الكويت حيث عملت سنتين في تدريس اللغة الانجليزية. كان راتبي حوالي 200 دينار كويتي يضاف اليها 150 دينارا راتبي في جريدة «الأنباء» التي عملت فيها مترجماً في الفترة المسائية من الساعة الرابعة الى الثامنة ليلاً.

كنت أسكن في منطقة النُقرة في شقة متهالكة من غرفتين و صالون صغير، معي أخي في الذي سبقني الى الكويت بسنة في غرفة وشابان لم نكن نعرفهما سابقاً في الغرفة الأخرى. أستيقظ في السادسة صباحاً وأنتظر زميلا مدرسا مصريا ليأخذني بسيارته – طبعاً بأجرة شهرية - الى المدرسة في منطقة الرقة التي تبعد حوالي نصف ساعة بالسيارة.

منطقة الرقة كانت عبارة عن بيوت من طابقين بنتها الحكومة لذوي الدخل المحدود. كل ما فيها جديد حتى المدرسة التي كانت في سنتها الأولى. وتقع بعد الفنطاس وقبل الفحيحيل ثم الأحمدي.

في التدريس كنت أعمل بضمير. أشعر أن التلاميذ أمانة في رقبتي. واذا لم يستوعبوا اللغة الانجليزية في السنوات الأولى فانهم لن يستوعبوها في السنوات اللاحقة. أمارس المهنة بشدة وقت الدرس وبعده ألاطف الطلبة كما لو أنني لست أنا الذي كنت أثناء الدرس. وما أن ينتهي الدوام كنت أشعر أنني أحمل جبلاً على رأسي.

لم يكن أحد من الطلبة يجرؤ على التحدث مع زميله أو يفعل أي شيء غير الانتباه للشرح. كان من عادة الناظر – مدير المدرسة – أن يمر بجانب الصفوف لمراقبة أداء المدرسين وانتباه الطلبة. قال لي مرة، مررت بجانب صفك فاعتقدت أن لا أحد في الداخل سواك. كان صوتك عالياً و طلبتك يصغون لك بانتباه شديد. شكراً لك أستاذ. ومنحني تقدير ممتاز.

مدرس التربية الاسلامية للصف الذي بجانب صفي كان صوت الطلبة أعلى من صوته. قلت له، يا زلمة الطلبة عندك مش عم يستفيدوا منك. كيف بتشرح وهم يصرخوا و يرموا عليك طباشير. قال : وأنا مالي؟ أنا بشرح الدرس واللي يفهم يفهم واللي ما يفهم عمره ما فهم. انا مش ماخذ راتبي..خلاص.

لا أنسى ذلك المدرس و أمثاله و...أحتقرهم.

بعد الدوام أعود الى البيت أو شبه البيت آكل ما تيسر و أنام ساعة لأذهب الى الجريدة في شخصيتي الأخرى...المترجم.

لا لم أنسَ ما بدأت به حكاية سؤالي لأبي عن كم كلفته دراستي في الجامعة.

جمعت راتب شهر من عملي في التدريس وفي الجريدة وكان حوالي ألف دينار أردني. وضعتها في يده وقلت له، هذا يابا راتب شهر فقط من ما صرفته على دراستي في الجامعة. دمعت عيناه وتمتم، الله يرضى عليك يا رشاد. قلت له، الآن حان وقت أن أحمل الحمل عنك وتترك العمل وترتاح. فقد كفيت ووفيت، ربيت اخوتك وربيتنا. زرعت وحان وقت الحصاد.

رضى الوالدين أمر عظيم. فتح أمامي طيلة حياتي آفاقاً واسعة.

وللحكاية التي لا تنتهي بقية.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012