أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 04 كانون الأول/ديسمبر 2024
الأربعاء , 04 كانون الأول/ديسمبر 2024


البدارين يكتب : هذه إفادة وصفي التل حول حرب حزيران

بقلم : اللواء محمد البدارين
03-12-2024 09:00 AM

لقد كنت مقتنعا قبل الحرب أن أي عمل يعطي العدو فرصة لشن الحرب علينا عمل خاطئ ، وجاهرت بهذا الرأي وخاصمت القاصي والداني ، ولسوء الحظ اثبتت الاحداث انني كنت على حق ، فبعد استقالتي في تشرين الثاني عام 1966 ، نشأ تيار سياسي في الأردن يدعو للتقارب مع عبد الناصر ، واقصد بالتيار خليطا من كل شيء ( بطانة الملك الجديدة ، ضغط محترفي السياسة ، انفعالات الرأي العام ، مناورات الولايات المتحدة الأمريكية ) ولم أكن مرتاحا لتطور الأمور على هذا الشكل لأنني كنت أتوقع حدوث ما حدث ، وما توانيت لحظة واحدة عن تحذير أصحاب العلاقة ، لكنهم اصمّوا آذانهم عن سماعي ، كان رأيي أننا غير مستعدين للحرب ، وكان بوسعنا أن نتفادى هذه الحرب التي سبقت أوانها ، وربما لم يكن احد يتوقع هزيمة من هذا العيار ، مع ان المعلومات التي كانت متوافرة لدينا لم تكن تفسح مجالا للتفاؤل بإمكان خروجنا منتصرين ، لكن عبدالناصر عمد الى اظهار عكس ما يضمر ، وفي نيته أن يذهب في لعبته إلى أبعد الحدود ، وهو لم يكن راغبا بالحرب ، وفي رأيي أن الرجل بالغ في تقدير مهاراته السياسية ، اما السوريون فقد كان السائد في أذهانهم أنهم في حرز حريز وأن الأردن الذي لا يحبونه ومصر التي لم يكونوا على وفاق تام معها سيدفعان الثمن ، والواقع انهم ما أرادوا قط مقاتلة الإسرائيليين.

أما الفريق عبد المنعم رياض ( القائد المصري للجيش الأردني خلال الحرب ) فقد ارتكب غلطتين كبيرتين ، الأولى تصديقه ما كانت تردده القاهرة ، ولم يكن لدينا ضابط ارتباط في مصر ، لذلك كنا تحت رحمة الاخبار التي تذيعها وسائل الاعلام المصرية ، وفي اليوم الأول ظل رياض جاهلا لحقيقة ما حل بسلاح الجو المصري حتى المساء ، الى ان وصلت اليه برقية ونحن محيطون به تعترف بما حصل ، وغلطته الثانية انه نقل اللواءين المدرعين 40 ، 60 ، من مواقعهما على الرغم من معارضة جميع من يعنيهم امر هذه التحركات ، ولم يكن لهذا التدبير أي مبرر استراتيجي ، فانطلقت الدبابات الأردنية نحو المواقع الجديدة فوجدت نفسها هدفا سهلا لطائرات العدو.

لقد كان ضباطنا يعترضون على أوامر الفريق رياض بالرغم من إدراكهم أنهم ملزمون بتنفيذها على علاتها ، فقد كان محاطا بأربعة او خمسة ضباط مصريين كبار يؤلفون أركان حربه ، ويقبضون على الزمام ويتحكمون بالمواقف والقرارات ، الا ان ذلك لم يمنع اللواء عاطف المجالي من انتقاد بعض القرارات ، غير أن رياض كان متشبثا برأيه دائما ، انه رجل ذكي يضج بالحيوية ما في ذلك ريب ، لكنه بدا لي في الظروف العصيبة دون المستوى المطلوب بالرغم من هالة الوقار التي أحاط بها نفسه ليدخل في روع الاخرين انه يعرف اكثر مما يبدو انه يعرف ، وكان من المفترض فيه بحكم انه رئيس أركان القيادة العربية الموحدة منذ عام 1964 وزار الأردن مرارا ، أن يعرف الجيش الذي دُعي لقيادته والأرض التي سيناور عليها ، لقد دار نقاش طويل وشتائم طويلة وغضب اللواء المجالي واراد مغادرة غرفة العمليات ، كما تشاتم رياض مع القائد الأردني للجبهة الغربية ، وحدثت فوضى.

ان الهزيمة بحد ذاتها شيء بسيط ، الجيوش تنتصر وتنهزم ، وأقول الحقيقة من نوع الحب والتعصب لجيشنا ، فقد تألمت من الطريقة التي اندحر بها جيشنا بقدر ألمي على ضياع القدس ، فضباطنا وجنودنا لا يستحقون الاندحار بهذا الشكل ، لكن سوء القيادة وسوء الإدارة والكذب في المعلومات و التشويش والفوضى وانهيار الأعصاب والقرارات المتخذة استنادا إلى معلومات كاذبة ، هي التي تسببت في الاندحار الذي لا يستحقه جيشنا ابدا ، ولا اعتقد ان الوقت قد حان لكتابة القصة الكاملة لهزيمة العرب في حزيران لأن فيها ضررا نفسيا وسياسيا ، ولكن معرفتها بدقة وتفصيل ليس بقصد التلاوم ولكن بقصد الاستفادة من دروسها ، هي مهمة التاريخ العسكري ، لكي تتحول هذه الاستفادة الى نصر بعون الله.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012