أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 07 كانون الثاني/يناير 2025
الثلاثاء , 07 كانون الثاني/يناير 2025


قانون العفو العام بين الضرورة والواقع

بقلم : د. نهلا المومني
05-01-2025 07:46 AM

في السياق الحالي ينظر الكثيرون إلى قانون العفو العام باعتباره استحقاقا أو مكتسبا لا يتطلب جهدًا قانونيا كبيرًا في عملية الصياغة القانونية، ولا يتطلب من زاوية أخرى دراسات تشريعية مستفيضة أو أخرى تتعلق بالجدوى الاجتماعية والاقتصادية له على حدّ سواء؛ ذلك أن رؤية هذا القانون على المستوى الشعبي تنبع وتصب من اعتبارات ذات أبعاد شخصية واجتماعية تتمثل في المقام الأول في التخلص من عقوبة الحبس أو حجز الحرية المفروضة بموجب التشريعات النافذة.

أما على المستوى التشريعي فيشكل هذا القانون في الغالب الأعمّ أحد الوعود الانتخابية الرئيسة في العديد من الحملات الدعائية والبرامج الانتخابية، وفي الوقت ذاته يشكل كذلك أحد الضغوط الشعبية من قبل الناخبين على المرشحين الذين استلموا لاحقا زمام التشريع وأصبحوا المعبّرين أو المعبّرات عن ضمير الأمّة وإرادتها.

في هذا الإطار وفي ظل ما تمّ تداوله مؤخرًا من تبني مجموعة من النواب لعريضة تطالب بإصدار قانون للعفو العام، لا بد من الإشارة ابتداء إلى أنه في الأصل التاريخي لقوانين العفو العام ارتبط هذا المفهوم بفكرة إنهاء النزاعات وحقن الدماء من خلال توظيف الصفح كأداة أخلاقية، وصولا إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي، ومن ثم وبعد استبدال حالة النزاع بحالة الاستقرار يتم العمل وفق المنظومة القانونية السائدة وتطبيق القواعد القانونية بصورة عامة مجردة دون استثناءات.

وبالتأصيل التاريخي أيضا كانت المنظومة الإسلامية من أكثر المنظومات الفكرية التشريعية التي وظفت العفو العام ذلك أنها منظومة قامت بالأصل على نظام أخلاقي رفيع، تم وضع الأدوات اللازمة لاحقا ليكون نظاما ملزما وممهدا لإنشاء ومأسسة الدولة، فكان العفو الأكبر والأشهر تاريخيا الذي تمثل في العبارة التي خلدت عبر التاريخ «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وهو ما يمكن اعتباره تطبيقا واسع النطاق لفكرة قانون العفو العام حقق مقاصده لاحقا في بناء مجتمع قادر على تحقيق حالة الاستقرار والطمأنينة.
مع تطور النظام الجزائي في العالم، أصبح للعفو العام اعتبارات متعددة منها تحقيق المصالحة الوطنية أو إيجاد أرضية صلبة للعدالة الانتقالية في بعض الدول، أو لغايات تخفيف الأعباء القضائية أو الاكتظاظ في مراكز الاحتجاز بأنواعها كافة وغير ذلك من الاعتبارات.
مع هذه الاعتبارات كافة ولتحقيق الغاية التشريعية السليمة من قوانين العفو العام ينبغي النظر إلى ثلاثة أطراف يشكلون العناصر المؤثرة في هذا القانون بصورة شمولية، الفرد المتضرر (الضحية أو ذويه)، المجتمع (الحق العام) والجاني أو مرتكب الفعل المجرم، هذه العلاقة الثلاثية لا بد من دراسة الآثار المترتبة من سنّ قانون للعفو العام إلى كل طرف منها؛ فأي اختلال سيؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي والطمأنينة المجتمعية والثقة العامة بالنظام القانوني السائد؛ ذلك أن القرارات الصادرة عن السلطة القضائية تصدر ابتداء لتحقق التوازن بين هذه العناصر الثلاثة ولتضمن عدم طغيان طرف على آخر.
لذا وقبل إصدار قانون العفو العام لا بد من الإجابة عن تساؤلات عدة منها؛ كيف ستتأثر السياسة الجزائية التي تتبناها الدولة بمثل هذا القانون، وهل يسهم قانون للعفو العام بإعادة تأهيل الأفراد مرتكبي الأفعال الجرمية فعلا أم أنه مجرد ترحيل للإشكاليات، مما يقتضي مؤشرات رقمية حول نسبة العود الجرمي للأفراد الذين تم إطلاق سراحهم بعد قوانين للعفو العام، لا بد أيضا من إجابة واضحة مستندة الى دراسات منهجية حول الأبعاد الاجتماعية لهذا القانون وانعكاساته على طمأنينة المجتمع ومدى تحقيقه لفكرة الردع العام والخاص مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحفاظ على الحقوق المدنية للأفراد ليس غاية التشريع الجزائي وإنما هو وسيلة لجبر الضرر، هذا الضرر الذي يعد الاقتصاص من الجاني أحد أوجه جبره أيضا.
خلاصة القول إن قانون العفو العام قانون لا يقل خطورة وأهمية عن أي قانون آخر، هو من تلك التشريعات التي تبدو سلسلة من حيث الشكل والإخراج وآلية الصياغة ولكنها تنطوي على محددات على المجتمع والأفراد عموما لا بد من دراستها حتى لا يأتي بنتائج عكسية، والمسألة الأهم التي لا بدّ من الالتفات إليها أن العديد من الإشكاليات القائمة لا يمكن اختزال حلها بقانون للعفو العام، فهناك بدائل أخرى منها التوسع في بدائل التوقيف وفي العقوبات البديلة على المستوى التشريعي والتطبيقي، والتوجه نحو مؤسسات عقابية مختلفة في الشكل والمضمون مثل المؤسسات العقابية المفتوحة وتوفير الرعاية اللاحقة لمن يتم إطلاق سراحه وغير ذلك من الحلول التي تحقق حالة الاستمرارية، وتعد آليات تؤدي إلى حل الإشكاليات القائمة من جذورها وعدم الاكتفاء بالتعامل مع مظاهرها وهي حلول باعتقادي تليق بالأردن الذي يسعى في مئويته الثانية إلى مزيد من مأسسة دولة القانون وتحقيق سيادته.

د.نهلا عبدالقادر المومني / الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012