أضف إلى المفضلة
الإثنين , 13 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 13 كانون الثاني/يناير 2025


التحديث السياسي .. ليس قفزة في الظلام بل للأمام

بقلم : د.محمد ابو رمان
13-01-2025 09:52 AM

من الظلم الشديد الحكم مبكّراً على تجربة الأحزاب السياسية وتقييمها، سواء على صعيد نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة أو حتى على صعيد الأداء غير المقنع للعديد من الكتل الحزبية تحت قبة البرلمان، فما تزال هنالك العديد من المتطلبات الأساسية في عملية بناء الأحزاب السياسية وتطويرها وصولاً إلى بناء تقاليد سياسية وتجذير مفاهيم العمل الحزبي، وهي مسألة لا تتم بين ليلة وضحاها، ولا بقرار سياسي، إنما عملية تراكمية مرتبطة بممارسات على أرض الواقع، تصل من خلالها الأحزاب السياسية إلى المأسسة السياسية والفكرية وبناء جسور العلاقة مع القواعد الاجتماعية التي من المفترض أنّها ستمثلها في العملية السياسية.

وبالرغم من صيحات التشاؤم والدعوات المتسرعة لإغلاق ملف التحديث السياسي بأسره، في أروقة بعض الصالونات السياسية، إلاّ أنّ ما حققته الأحزاب السياسية، بخاصة الجديدة منها، خلال فترة قصيرة نسبياً، بمثابة اختراق مهم يمكن البناء عليه، إذ تمكنت العديد من الأحزاب الجديدة من استقطاب شرائح ونخب شبابية عديدة، ودفعهم إلى أتون العمل الحزبي والسياسي، ودخلت هذه الأحزاب في معمعة الانتخابات النيابية وقبلها الجامعية باندفاع كبير، وحاولت منافسة قوى سياسية عريقة تمارس العمل السياسي مما يزيد على سبعة عقود، ولديها قواعد اجتماعية وشعبية وخطابات سياسية وأيديولوجية راسخة!

صحيح أنّ الممارسة الحزبية في البدايات لم تكن راشدة في كثير من المجالات، لا على صعيد سياسات استقطاب الأعضاء ولا على صعيد المنافسة السليمة، ولا على صعيد بناء خطاب سياسي وبرامجي متقن، ولا على صعيد تفعيل دور الشباب بصورة صحيحة، لكن هذا كلّه ينضج ويتطور ويصل إلى مرحلة متقدمة عبر الممارسة العملية، كما حدث مع كثير من الأحزاب السياسية وتطورها في التجارب الغربية الديمقراطية، إذ أخذت عقوداً من العمل المستمر والتطوير والتحولات الفكرية والسياسية والتنظيمية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وما تزال تواجه العديد من التحديات السياسية حتى اليوم.

في المقابل يتمثّل الخطر الأكبر في النكوص عن التجربة الحزبية، سواء بصورة مباشرة أو حتى تكتكية من خلال تحجيم دورها وأهميتها، وعدم المضي قدماً بالزخم السياسي نفسه، لأنّ نتائج هذا التراجع ستكون وخيمة على أكثر من صعيد، الأول مصداقية الخطاب السياسي الرسمي، بعد أن تمّ تعبئة الشارع بمفاهيم وثقافة التحديث السياسي، ووصل الأمر إلى الكتب المدرسية والجامعية وقوانين الجامعات والإعلام، والثاني أنّ هذا التراجع سيلغي ما تمّ إنجازه خلال المرحلة السابقة، التمهيدية أو التحضيرية، التي شهدت ولادة العديد من الأحزاب وحماس لدى نخب شبابية في الانضمام إليها، وتهشيم ثقافة التخويف من العمل الحزبي والسياسي لشرائح اجتماعية عريضة، بخاصة تلك التي كانت تتجنب سابقاً الاشتباك مع الحراك الحزبي، فمثل هذا التراجع أو الإيحاء به سيؤدي إلى تراجع هذه الشرائح الاجتماعية المحسوبة تقليدياً على القاعدة المؤيدة والداعمة للسياسات الرسمية، وسيضيع الفرصة أمام عملية تأطير سياسي وتنظيمي وفكري لهذه الشريحة الرئيسية في الحياة السياسية، مما سينعكس سلباً على قدرات الحكومات في مجالات التعبئة والحشد، ويبقي «الفجوة المستدامة» بينها وبين الشارع، كما ظهرت خلال عقدين من استطلاعات الرأي التي يجريها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.

ثمة قناعة لدى نخب سياسية بأنّ الانتقال الديمقراطي في الأردن، تاريخياً، يسير خطوة إلى الأمام ثم يعود اثنتين إلى وراء، وأنّ هذا ما سيحدث مع مشروع التحديث السياسي الراهن، وهي قناعة من الضروري تبديدها، بخاصة أننا أمام استحقاقات دستورية وتشريعية وثقافية وسياسية جعلت من التحديث اليوم خطاباً للدولة ومشروعاً مستقبلياً لها، فالمطلوب المضي إلى الأمام وإبقاء الزخم الكبير لدور الأحزاب، وتصحيح التجربة ومراجعة الأخطاء التي حدثت على أرض الواقع والانتقال بالعمل الحزبي عموماً نحو قدر أكبر من المأسسة والحوكمة وتمكين الشباب والمرأة، هو أمر من الضروري – كذلك- أن يتكرس في الخطاب السياسي والإعلامي بصورة واضحة، وهو الأمر نفسه الذي كان الملك قد أكّد عليه بعد الانتخابات النيابية في أكثر من مناسبة، عبر التأكيد على المضي قدماً في مشروع التحديث السياسي والانتقال به إلى مراحل جديدة.

الدستور


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012