أضف إلى المفضلة
الإثنين , 27 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 27 كانون الثاني/يناير 2025


الإسراء والمعراج:خريطة النهوض للأمة الإسلامية والعربية في عصر الانكسار

بقلم : أ . د . هاني الضمور
26-01-2025 09:07 AM

حادثة الإسراء والمعراج ليست مجرد معجزة خارقة أو قصة تروى عن الماضي، بل هي ملحمة روحية تحمل في طياتها دروسًا عميقة ورؤية استراتيجية تلهم الأمم للنهوض في أشد لحظات ضعفها. هذه الرحلة السماوية التي خصّ الله بها نبيه محمدًا جاءت في لحظة عصيبة من مسيرته، حين كان الألم واليأس يخيمان على الأفق بعد فقده الدعم الاجتماعي والمعنوي. لكنها جاءت لتحمل وعود النصر والتكريم، مؤكدة أن كل انكسار يحمل في داخله بذورًا للنهوض، إن أُحسن استثمار الدروس الكامنة فيه.

في تلك الرحلة المقدسة، حين أسرى بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان الربط بين المقدسين إشارةً استراتيجية عميقة إلى أن الأمة لا يمكن أن تحقق قوتها إلا بوحدتها، وإدراكها لترابط مصيرها. لقد أذابت هذه الحادثة الحدود الجغرافية التي وضعها البشر، وأكدت أن الرسالة الإسلامية لا تعرف الحدود، ولا تفرق بين شعب وآخر. فالمسجد الحرام والمسجد الأقصى، رغم المسافات الفاصلة بينهما، اتحدا في رحلة واحدة لترسخ الحادثة معنى أن الأمة الإسلامية كيان واحد، يتجاوز الجغرافيا، ولا يعترف بالتقسيمات التي تمزق الصفوف. هذه الوحدة المكانية، التي أظهرتها الإسراء والمعراج، هي دعوة للأمة اليوم لتستعيد إدراكها بأن قوتها تكمن في وحدتها العابرة للحدود والاختلافات.

أما لحظة المعراج إلى السماوات العلا، فهي دعوة للأمة كي ترفع أنظارها إلى الأفق الأعلى، وتكسر قيود الأرض التي تحاصر طموحاتها. لقد كانت الرحلة دعوة للتفوق، ورؤية استشرافية تؤكد أن العمل لتحقيق القمم يبدأ من استعادة التوازن الداخلي. إن فرض الصلاة في تلك اللحظة يُذكّر بأن النهضة لا تأتي إلا عندما تُعزز القيم الروحية لتكون حافزًا يدفع الإنسان نحو الإبداع والعمل.

الإسراء والمعراج هي أيضًا درس في القيادة، فقد صلى النبي بالأنبياء إمامًا في المسجد الأقصى، في رمز واضح إلى دوره الجامع الذي لا يفرق بل يوحد. الأمة الإسلامية اليوم، التي تنخرها الخلافات وتشتتها الانقسامات، في حاجة ماسة إلى قيادات تعيد توحيد الصفوف وترسيخ الإيمان بالمصير الواحد. القيادة ليست ترفًا بل هي ضرورة وجودية لإنقاذ أمة تواجه تحديات وجودية من احتلال الأراضي إلى الأزمات الداخلية التي أضعفت مكانتها عالميًا.

إن واقع الأمة اليوم يبدو بعيدًا عن تلك الرؤية الوحدوية التي تجسدت في الإسراء والمعراج. لكن الحادثة تعلمنا أن المحن، مهما بدت مظلمة، يمكن أن تكون بداية جديدة إذا ما تمسكنا بالصبر والإيمان والعمل المشترك. كما أن الإسراء والمعراج يذكراننا بأن النصر الحقيقي لا يأتي إلا بعد صبر طويل ومقاومة مستمرة، وأن النهضة تحتاج إلى رؤية تتجاوز اللحظة الراهنة، تمامًا كما تجاوز النبي محن الأرض ليصعد إلى السماوات.

الإسراء والمعراج ليست مجرد ذكرى دينية، بل هي نداء استراتيجي للأمة الإسلامية والعربية لتعيد صياغة أولوياتها، وتستعيد ثقتها بنفسها، وتبني مستقبلها على أسس الوحدة والعمل الجماعي والطموح الكبير. لقد أكدت هذه الحادثة أن الأمة، مهما رسمت عليها الحدود، قادرة على أن تنهض إذا ما استعادت روحها الواحدة ورفضت الانقسام. الرسالة واضحة: مهما كان الواقع مظلمًا، فإن آفاق النهضة مفتوحة لمن يؤمن بها ويسعى لتحقيقها، مستلهمًا من روح هذه الحادثة العظيمة معاني الوحدة والطموح والعمل.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012