ماسك يعاقب أوروبا

الإثنين , 27 كانون الثاني/يناير 2025

ماسك يعاقب أوروبا

بقلم : فيصل الشبول
26-01-2025 09:27 AM

قالها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوضوح: هذه شركات أميركية.

بالفعل، فإن منصة إكس وجوجل وميتا وشقيقاتها وتفرعاتها ومنصاتها، باتت شركات أميركية عملاقة. عملاقة من حيث نطاق تأثيرها على البشرية، ومن حيث قدرتها على سحب مليارات الدولارات من كافة شعوب العالم سنوياً.

في اليوم الثالث من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، وبعد سلسلة طويلة من القرارات والأوامر التنفيذية، ومن الوعود والوعيد والدبلوماسية المعلنة الخشنة، ظهر تأثير إيلون ماسك على الرئيس.

في الحوار المرئي المسموع عن بعد مع قادة الاقتصاد العالمي في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس يوم الخميس الماضي، انتقد الرئيس ترمب سياسة الاتحاد الأوروبي فرض ضرائب على شركات التواصل الاجتماعي: أوروبا تأخذ المليارات من هذه الشركات... هذه شركات أميركية.

في حفل تنصيب الرئيس الأميركي يوم الإثنين الماضي، كان إيلون ماسك الأكثر فرحاً بين الحضور. ظهر وكأنه في حفل فني وليس في حفل تنصيب رسمي.

سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه شركات التواصل الاجتماعي التي انتقدها ترمب، تعني دعوة ضمنية للأوروبيين للتخلي عن قانون الخدمات الرقمية الأوروبي (DSA) المطبق منذ عام 2023، أو تعديله على الأقل.

سبقت أوروبا قارات العالم الأخرى في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت منذ عقد من الزمان تقريباً التحدي الأول للتواصل الإنساني، قانونياً وأخلاقياً. وفوق ذلك، فقد باتت التحدي الأول لوسائل الإعلام، قديمها وحديثها، لاستحواذها على سوق الإعلان.

تنبهت أوروبا إلى ضرورة وضع قوانين وتعليمات لحماية مجتمعاتها ولا سيما الأطفال والنساء والفئات الأكثر ضعفاً. تنبهت أيضاً إلى ضرورة وضع حدود لاجتياح وسائل التواصل الاجتماعي الآتي من مكان واحد (الولايات المتحدة) نحو أوروبا، بل ونحو العالم كله بلا ضوابط، إلا ما تقرره الشركات المالكة لتلك الوسائل.

وضع الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية القانون تلو الآخر منذ عام 2016، إلى أن وصلت لصيغة قانون ملزم للدول الأعضاء وضع موضع التنفيذ مطلع عام 2023. رسم القانون الكثير من الحدود، وبضمنها الضرائب والعقوبات المالية إزاء المخالفات... ضرائب وتعويضات وقواعد للنشر.

بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة، وإيلون ماسك وزير فيها، فالمسألة مالية، والمال يأتي من زيادة نطاق الانتشار وتخفيف القيود على النشر، ومن تخفيف الضرائب والعقوبات والتعويضات.

يعني ذلك أن الولايات المتحدة ستضغط عليك إن أنت وضعت أي تشريع لا ينسجم تماماً مع سياسات تلك الشركات في الانتشار، وستضغط أكثر إن وضعت ضريبة عليها لحماية سوقك الإعلاني، أو عقوبات على مخالفات النشر.

لا تضع الشركات الأميركية (التواصل الاجتماعي) أي قيد على مهاجمة الفلسطينيين والعرب والمسلمين وحقوقهم ومقدساتهم، ولكنها تشطب ملايين الحسابات إن تعرض أصحابها لإسرائيل.

هذه هي المعادلة التي علينا التعامل معها اليوم في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، وقدرة إيلون ماسك على التأثير في قراراتها.

لدينا قانون عربي للتواصل الاجتماعي أقر بالإجماع، وكنا نأمل بأننا وضعنا الأشقاء أمام مسؤولياتهم لحماية قضاياهم ومجتمعاتهم ووسائل إعلامهم أيضاً.

تأخرنا، كالعادة وأخشى أنه لن يعود في مقدورنا بعد اليوم أن نضعه موضع التنفيذ.

يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب قوته في مواجهة عالم مختلف. يريد أن تمتد أذرع الولايات المتحدة إلى كل مكان في الكرة الأرضية.

يعرض القوة ويتحدث عن السلام وإنهاء الحروب والأزمات الإقليمية والعالمية.

غير أن «أميركا العظيمة»، شعار الرئيس منذ حملته الانتخابية الأولى تعني بالدرجة الأولى قدراتها الاقتصادية والاستراتيجية. أفصح ترمب عن شهوة إدارته للمال، ونيته الحصول على المال من كل مكان في العالم، ولو على حساب الآخرين: الأصدقاء والخصوم على سواء.

علينا أن نواجه عالماً أكثر فوضى عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل القريب.

شركات ماسك ومثلها جوجل وميتا تحصل على مئات المليارات من كافة أسواق العالم، وستحصل على المزيد... على ترويج ثقافة واحدة، ولا قيمة لأي ثقافة أخرى.

لم يكن حلم رفع العلم الأميركي على كوكب المريخ بواسطة صاروخ من إنتاج ماسك وحده، السبب في قفزات فرح الرجل أثناء حفل التنصيب. ماسك كان فرحاً طوال الوقت... أصبح رجل العالم الأبرز والأكثر ثراء وتأثيراً في المدى المنظور.

الدستور