أضف إلى المفضلة
الأحد , 23 شباط/فبراير 2025
شريط الاخبار
أكسيوس: نتنياهو خالف توصيات رؤساء الأجهزة الأمنية وزارة العمل تفتح باب استقدام العمالة الوافدة للقطاع الزراعي - تفاصيل (اسرائيل) تزعم كشف شبكة لتهريب الأسلحة من الأردن المواصفات والمقاييس: فحص إضافي للأسطوانات البلاستيكية قبل تداولها محليا المدعي العام يوقف زوج سيدة مصرية سقطت من الطابق السابع لمدة أسبوع البرلمان العربي يؤكد دعمه التام للوصاية الهاشمية ولمواقف الأردن الرافضة للتهجير أمانة عمّان: نظام رخص البناء المعدل أصبح ساري المفعول ومطبق الخارجية: نتابع مقتل أردني وعربي في تكساس الأمريكية رئيس الوزراء يطلع على خطط الأمن العام مع قرب شهر رمضان درجات حرارة تحت الصفر في الأردن .. وأقلها -4 في مطار الملكة علياء وزير الطاقة: للمستهلك حرية الخيار بين الأسطوانة البلاستيكية والحديدية تفاصيل جديدة عن وفاة سيدة مصرية في الاردن حسان يتفقد أسواق المؤسستين الاستهلاكيتين المدنية والعسكرية الكاتبة ندى الحاج تحتفي بكتابها " جال في خاطري " - صور الأردن يستورد 155 ألف جهاز خلوي بقيمة 15.1 مليون دينار خلال 30 يوما
بحث
الأحد , 23 شباط/فبراير 2025


الشرق الأوسط تنافس حضاري ام سوق عقاري 1 و 2

بقلم : الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
23-02-2025 06:27 PM

1 من 2


تذكر بعض الروايات بان سيدنا ادم نزل في أحد المناطق الجغرافية الواقعة ضمن الشرق الأوسط الحديث، وهو الذي يشكل قلب العالم، وتلتقي فيه القارات العالمية القديمة (اسيا وافريقيا وأوروبا).

ان الحياة التي حظي فيها سيدنا ادم لم تنتهي بسلام، حيث قتل أحد ابناءه الاخر ونزفت اول دماء بشرية (وما زالت الدماء تنزف) في هذه المنطقة، ومنذ ذلك التاريخ وهو محط أحلام البشر والمتنافسين منهم للسيطرة عليه وعلى ثرواته.

فاذا كان أبناء ادم علموا البشرية دفن الموتى، فان السومريون، الذين يشير بعض المؤرخين بان اول ظهور لهم كان قبل 14,000 سنه، وبنوا مدينه اورك قبل 5000 سنه، وعلموا البشرية الكتابة، والادب عن طريق ملحمة جلجامش واستخدام العجلة. اما الاكاديون، فكانوا متعددي الثقافات، وأول من انشاء الحكومة المركزية، والفراعنة في مصر علموا البشرية فن البناء والهندسة، والبابليون اول من سن القوانين وبنوا الحدائق المعلقة، ومنحوا للنساء حقوق مساوية للرجال، والحيثين قاموا بصهر المعادن والاشوريون اول من انشووا المكتبات، وغيرها من الحضارات كالاخمينية (الفارسية الأولى) والفينيقية والكنعانية والآرامية والميدية والكلدانية والادومية والعبرية والحميرية والنبطية (البتراء شاهدة على انجازاتهم) والفارسية الزرادشتية، والاغريقية الهلنستية والرومانية (يشير بعض المؤرخين بان حروبهم في القرون الخمسة الميلادية الاولى كانت اشبه ما تكون دينية، بين المسيحية الهيلينية والزرادشتية) والعرب في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، حيث اتقنوا فن التواصل مع الاخرين للتكامل الاقتصادي، وغيرهم الكثير، وجميعهم لهم انجازات مختلفة في الزراعة والتجارية والبناء والفلسفة والعلوم الطبيعية والاجتماعية وغيرها.

كما ان هذه الحضارات كانت قد تعاونت فيما بينها أحيانا واختلفت الى درجة الابادة احياناً أخرى، وكل هذا يعود الى ان الصراع بأنواعه المختلفة هو من خصائص البشر، كما ان اختفاء تلك الحضارات كان بسبب عدم قدرة شعوبها من المحافظة على التنمية التي تؤمن لها الاستقرار الداخلي والتحالفات الأمنية غير الضرورية احياناً وعدم تقبل الحضارات الدخيلة.

يضاف الى ذلك بان المنطقة شهدت ظهور اول الأنبياء واخرهم، وظهور الديانات التوحيدية كاليهودية والمسيحية والإسلامية، والتي بظهورها انتهى ما تبقى من الحضارات السالفة الذكر في المنطقة.

وعلى الرغم من ان عصر الخلافة الاسلامية يعتبر العصر الذهبي للمنطقة من حيث الاكتشافات العلمية والابداع الادبي والقوة السياسية والعسكرية ومع كل ذلك فهي لم تنعم بالهدوء المطلوب فانطلقت الثورات الاموية، والعباسية والهجمات المغولية والحملات الأوروبية وغيرها، وكلها جاءت طمعاً في ثروات الشرق والسيطرة على الطرق الاقتصادية او انتقاماً، الى ان ظهرت الدولة العثمانية والتي انتهت مع انطلاقة الثورة العربية الكبرى عام 1916 وانتهاء الحرب العالمية الأولى حيث ظهرت اول حلقات التغير في الجغرافيا السياسية للمنطقة.

تبعها انهيار النظام الاستعماري مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور دولة إسرائيل بقرار اممي، لتشكل الحلقة الثانية من التغير العميق في الجغرافيا السياسية للمنطقة (مع الاخذ بعين الاعتبار بان تغيرات أخرى حدثت في مناطق مختلفة في العالم)، لتبدأ مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي مدعوماً من القوى العظمى لصالح إسرائيل الوليدة.

ان الجغرافيا السياسية الجديدة أدت الى ظهور العديد من الثورات والصراعات الدينية والعرقية والتطرف وصولاً الى الصراع بين الشعوب والدول (التنافس الإيراني والتركي والعربي، من منطلق التاريخ الامبراطوري لكل منهم)، مما أدى الى زيادة في النفوذ الاسرائيلي ونفوذ الدول العظمى (خاصة الدول أعضاء نادي الحضارة الغربية المهيمنة خلال العقود السبعة الماضية) السياسي والتدخلات العسكرية ان تطلب الامر، كما سهل على الدول المتنافسة للفوز بمصادر الطاقة (النفط والغاز) باعتبارهما المحرك الرئيسي للاقتصاد الصناعي لدولهم.

اما مفهوم صراع (صدام) الحضارات، فالجميع يعتقد بانه ظهر عام 1990 من قبل برنارد لويس (جذور الغضب الإسلامي)، ومن ثم استخدمه هنتنغتون عام 1993 وعام 1996 في كتاب صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي (بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مباشرة، والخطاء العراقي بدخول الأراضي الكويتية، وهذا الحدثان خلقا جغرافيا سياسية جديدة في العالم، وفوضى في الشرق الأوسط ستبقى اثارها طويلاً)، الا انه في الواقع كان قد اشير المصطلح من قبل يينون (الصحفي الإسرائيلي) عام 1982 كصراع إسلامي مسيحي يهودي، والذي سنعود اليها لاحقاً.

وعلى الرغم من الإشارة الى ان الحضارات المتصارعة هي الغربية والصينية، واليابانية والارثوذكسية والهندية واللاتينية والافريقية والبوذية والإسلامية في العالم، الا انه ومن وجهة نظر البعض بان المتصارعين على المنطقة هم المسلمين (سنه وشيعه) والارثوذكس من اهل المنطقة والحضارة الغربية، وبالتالي يفترض البعض بان الحضارة الغربية ستنتصر وستسيطر على المنطقة بالكامل.

اعتقد ان نظرية صدام الحضارات ظهرت لتخفي خلفها الخطط الاستراتيجية المرسومة للمنطقة والعمل جاري لتحقيق أهدافها مع تغير في التكتيك احياناً حسب الظروف الجيوسياسية العالمية والإقليمية.

ان أصحاب فكرة انتصار الحضارة الغربية لم يأخذوا بعين الاعتبار ان الشرق الأوسط، المنطقة الوحيدة بالعالم التي غادرت كافة الحضارات الدخيلة اليه وبقي فيها العرب المتجذرين بلغتهم ودياناتهم وهم الثابت الوحيد فيها. ومع كل ذلك ستبقى المنطقة ارض الاحلام ومحط انظار البشرية كافة وحتى نهاية التاريخ.

ان عاصفة التصريحات التي يشهدها العالم والصادرة عن الرئيس الأمريكي لشراء قطاع غزه كصفقة عقارية لم تأتي من فراغ. فقد سبقه الى ذلك ليفي اشكول في ستينات القرن الماضي، حيث اقترح دفع الأموال للفلسطينيين لترك أراضيهم والمغادرة، كما ان شمعون بيرس كان قد اقترح في تسعينات القرن الماضي تحويل غزه الى سنغافورة الشرق الأوسط عن طريق تطويرها كمركز تجاري وسياحي والصناعة التكنولوجية، منطلقاً من الموارد البشرية المتوفرة فيها ذات التعليم الجيد والمهارات التقنية المطلوبة لاقتصاد المعرفة آنذاك.

ثم جاء لاحقاً كوشنير في عام 2019 ليعلن بان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو نزاع عقاري، يمكن التعامل معه بصفقة مقبولة للجميع، يتبعها تطوير ساحل غزه بطريقة مذهلة، وتطوير قطاع النقل البحري والجوي والبري لتصبح بوابة اقتصادية عالمية، مع التأكيد على عدم التطرق للحلول السياسية، كما انه أشار في شباط 2024 الى ضرورة اخراج الفلسطينيين الى سيناء او النقب. ان تصريح ترامب بأخلاء غزة من أهلها، وهو المخالف للقوانين الدولية ادخل العالم في حالة من الارباك والفوضى، وهو الهدف الذي يسعى اليه بطريقته الخاصة بصنع الفوضى لدى الاخرين وارباكهم ومن ثم يعمل على إعادة الترتيب بطريقته التي تحقق له ما يسعى اليه.

كما ان ترامب في تصريحاته عن شراء غزه والسيطرة عليها، قد يكون انطلق من التاريخ الأمريكي في التوسع الجغرافي للدولة عن طريق شراء الأراضي من الدول، فعلى سبيل المثال شراء مانهاتن عام 1626من الهنود الحمر وشراء لويزيانا عام 1803 من فرنسا، وصفقة فلوريدا وما تبقى من لويزيانا عام 1859 من اسبانيا، وشراء جنوب لويزيانا وجنوب نيومكسيكو من المكسيك عام 1854، وشراء الاسكا من روسيا عام 1867، وجزر هاواي (التي انضمت الى الولايات المتحدة عام 1959) وجزر الفلبين عام 1898 من اسبانيا (استقلت الفلبين عام 1946) وجزر العذراء من الدنمارك عام 1917، ومحاولة شراء غرينلاند عام 1946 عند طريق الغاء ديون الدنمارك، ثم تكرار المحاولة في ستينات القرن الماضي، ومحاولة السيطرة على جزيرة سانت مارتن في خليج البنغال، الامر الذي رفضته رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسينة والتي تم الإطاحة بها عام 2024 باحتجاجات شعبيه (وهي التي تعزي سبب ذلك لرفضها الطلب الأمريكي). ان المدقق في تاريخ هذه الصفقات يجد ان أمريكا كانت قد انتهزت فرصة الازمات وخاصة الاقتصادية منها والتي كانت تعاني منها الدول التي وافقت على تلك الصفقات.

اما من حيث الاهتمام بالسواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، فقد سعت الدول الكبرى للسيطرة عليها، وتعود الى أفكار قيصر روسيا بطرس الأعظم لإيجاد موقع على ساحله لتسهيل السيطرة على العالم، تبعها فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول وصولاً الى امريكا.

في الجزء الثاني من المقال سنتحدث عن التصريحات المتعلقة بالصفقة وأهدافها وأثرها على الساحة الإقليمية والوطنية.



------------------------------------------------------------------------------

2 من 2


ترامب صاحب كتاب فن الصفقة، والمتقن لاستغلال الظروف وتحريك الجمهور، وهو الذي سبق له ان استغل الازمة الاقتصادية في نيويورك في سبعينات القرن الماضي ليضع لنفسه خطة محكمة لكيفية التعامل مع الوضع القائم، والوصول الى حلول لتحقيق اقصى درجات الربح، متجاوزاً كل القواعد المتعارف عليها، وطارحا الحلول العقارية للازمة وينجح فيها ويبني لنفسه امبراطورية اقتصادية عظيمة.

كما ان ترامب وجد ضالته في سواحل غزة صاحبة أفضل موقع استراتيجي، معلناً بضرورة تهجير الفلسطينيين والسيطرة عليه لتطويره ليصبح ريفييرا الشرق ومركز للسياحية وصناعة تكنولوجيا المعلومات (وهي أفكار تتطابق مع افكار شمعون بيرس في تسعينيات القرن الماضي، دون التهجير)، بحيث يتم ذلك عن طريق العروض الاستثمارية 'البناء -التشغيل -نقل ملكية B.O.T' (لكن السؤال هنا لمن تعود الملكية بعد التهجير). الا انه من الواضح وجود اهداف استراتيجية أخرى من وراء الإصرار على الاستحواذ على غزة، وقد أشرنا في الجزء الأول من المقال الى الطرح المقدم من كوشنير عام 2019 كجزء من صفقة القرن والتي وقف الأردن ضدها بصلابة كي لا تمر، معتبراً بان النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو نزاع عقاري.

اننا نعتقد بان هناك عدد من الأهداف التي يسعى لتحقيقها كل من ترامب ونتيناهو، تكمن في عدة جوانب، منها انهاء فكرة قيام الدولة الفلسطينية، وتقديم الدعم لإسرائيل عن قرب لضمان امنها (حيث اثبتت احداث 7/10/2023 بانها لا تستطيع الاستمرار بدون الدعم الامريكي)، وفرضها كقوة إقليمية، وقطع الطريق امام التمدد الصيني في المنطقة ومحاصرتها في افريقيا، وانشاء قاعدة امنية وعسكرية امريكية (لتكون حلقة وصل بين كافة القواعد الامريكية في شرق المتوسط وأوروبا وافريقيا، بل ومن الممكن ان تكون مقراً للقيادة الامريكية خارج اراضيها) دون الاعتماد على الدول الحليفة في المنطقة لتامين الدعم اللوجستي والتدخل العسكري المباشر ان تطلب الامر، والسيطرة على طرق التجارة البحرية ببناء ميناء غزه الذي سيكون اهم ميناء على سواحل البحر المتوسط، وهذه الهدف يلتقي بخطة نتيناهو لرؤية غزه 2035 كمنطقة للتجارة الحرة تربط العريش المصرية بسيدروت الإسرائيلية، ولاحقاً طريق الازدهار الاقتصادي والتحكم بمصادر الطاقة وخاصة غاز شرق المتوسط وغيرها من العوامل التي تجعل من امريكا القوة المهيمنة واللاعب الاقوى في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد الاخذ في التبلور وبشكل متسارع (وهذا واضح من التقارب الأمريكي الروسي لإنهاء الحرب الأوكرانية لصالح روسيا، وتوسيع النفوذ الروسي في وسط اسيا والبلطيق وغيرها، فكلا الرئيسين الأمريكي والروسي يسعيان لاستعادة عظمة بلادهم، ومحاولة وقف التقارب الروسي مع كل من الصين وايران، تخفيض صادرات الطاقة الروسية الرخيصة للصين لإضعاف اقتصادها، وتقوية الهند على حساب الصين) دون الاعتماد على الدول الأوروبية ومحاولة تحجيمها ان امكن ذلك، وهنا يجب ان لا نستبعد بانه قد يكون تم التوصل لتفاهمات بين روسيا وامريكا بخصوص خارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة ستظهر نتائجها مستقبلاً، لا بل قد نشهد اجتماعاً بين أمريكا وروسيا والصين لرسم الخارطة العالمية الجديدة كما حصل في مؤتمر يالطا 1945 بين ستالين وتشرشل وروزفلت حيث تم تقسيم أوروبا الى مناطق نفوذ بينهم وغيرها من الامور.

كما ان ما يجري من حراك سياسي جيواستراتيجي على الساحة العالمية ينذر بخطورة بالغة الأهمية قد تؤدي الى حل هيئة الأمم والمنظمات الدولية وإعادة تشكيلها، وبكل تأكيد سيكون خطراً جيوسياسياً عظيماً على دول الضعيفة اضلاً، والتي لا تستطيع ان تجد لنفسها مكاناً على الطولة، الا عن طريق تشكيل تكتل عربي ان أمكن ذلك او تكتل أردني-مصري-سعودي-خليجي لحماية مصالحهم بشكل معقول. وتعتبر هذه فرصة ذهبية لدولنا لحماية نفسها ومصالحها وحماية حقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته وفقاً للقرارات الاممية، مع الاخذ بعين الاعتبار بانه من الممكن ن تذهب بعض الدول الوازنة الى التصعيد لدرجة المواجهات التصادمية لحماية مصالحها والتي قد تؤدي لمواجهات عالمية.
اما الشرق الأوسط والذي عانى ما عاناه وخاصة منذ عام 1990 (بعد الخطاء العراقي الذي ضرب العمود الفقري للأمن العربي) وما تبعها من اتفاقيات مدريد واسلو ووادي عربه، مروراً بأحداث 11/9/2001 والحرب على الإرهاب وما سمي بالربيع العربي والأوضاع السياسية والامنية التي اضعفت اقتصاد دول المنطقة، والانقسام الفلسطيني وصولاً الى حرب غزه، كلها هددت الامن القومي العربي وجعلت استقرار المنطقة امر في غاية الصعوبة، كما واضعفت اهتمام دول المنطقة بالقضية الفلسطينية، باستثناء الأردن الذي استمر بقيادة الملك مدافعاً عنها باعتبارها ركيزة السياسة الأردنية، وان إيجاد الحل لها يعتبر مصلحة وطنية عليا للأمن الوطني الأردني.

اننا في الأردن، كنا وما زلنا مستهدفين، فجاءت الهجرات القصرية عام 1948، واستطاع الأردن استيعابها، ليتبعها هجرة عام 1967، وغيرها من الهجرات المتلاحقة وصولاً الى اللاجئين السورين، وعلى الرغم من تمكنه من استيعابها (يصعب على أكبر الاقتصاديات العالمية استيعاب مثلها)، الا انها وضعت ضغوط هائلة على الاقتصاد الأردني وبنيته التحتية والاجتماعية.

كما ان الأردن وجد في التصريحات الأخيرة لترامب بالطلب منه ومن مصر بالقبول باستيعاب سكان قطاع غزه (والامر لن يتوقف هنا بل سيتوسع ليشمل سكان الضفة الغربية) تهديداً وجودياً له، وهو الامر الذي قوبل بالرفض القاطع من الملك ومن حوله الشعب الأردني، وكذلك مصر والدعم العربي وخاصة من الشقيقة السعودية (الدولة العربية الصاعدة على الساحة العالمية وبقوة)، التي أصبح امنها مهدداً ايضاً بعد تصريحات نتيناهو ضدها (والهادفة لعرقلة صعودها)، وهو الدعم الذي نأمل ان يتعمق ويستمر وبقوة، حفاظاً على امن الأردن وامن دول الخليج العربي المرتبط معاً وبقوة، اخذين بعين الاعتبار حالة الاجماع الدولي الرافضة لمثل هذه الأفكار.

ان الأردن يعي جيداً الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الكبرى والساعية ومنذ عهد بن غوريون (نيفو 1954) للسيطرة على كل فلسطين ودفع حدود مصر لخلف السويس والاستيلاء على أجزاء من سوريا وجزء من أراضي الأردن وبعض الأراضي السعودية، وكما لا زالت في ذاكرة الاردنيين معركة الكرامة والتي كانت تهديد عسكري مباشرة للأردن، وخطة يينون عام 1982 والتي تبناها معهد الاستراتيجيات اليهودية، والداعية الى إيجاد مشاريع لخلق الفتن الطائفية والعرقية وتعزيزها لتفتيت الدول العربية الواحدة تلو الأخرى (ولم يستثني مصر على الرغم من وجود اتفاقية سلام معها) ومنها الأردن لتسهيل طرد الفلسطينيين، وهو يشير الى ان سياسة إسرائيل اتجاه الأردن يجب ان تبقى ثابته مهما كانت الظروف (الحرب او السلم). وعلى الرغم من قناعة الجميع بان مثل هذا المشروع قد انتهى وخاصة بعد اتفاقية وادي عربة الا ان نتيناهو أعاده عام 1996 بطريقة أخرى وتحت استراتيجية الملكوت. تبعها تعديلات على الخطط بهدف استبدال الاستقرار النسبي في الدول المجاورة الى زعزعة استقراها وخلق الثورات فيها ان تطلب الامر، مما يسهل ويسرع في إعادة ترتيب المنطقة قبل بلورة شكل النظام العالمي الجديد.

ان الأردن على اطلاع بخطة ايزنكوت للبيئة الاستراتيجية الإسرائيلية المعدة عام 2019 والهادفة للسيطرة على مصادر الطاقة وطرق توزيعها والممرات البحرية المهددة للاقتصاد العالمي والمحافظة على عدم استقرار دول الشرق الأوسط كصفة مميزة وتعظيم القيم مع أمريكا والعالم الغربي والمحافظة على التفوق النوعي والقضاء على كافة اشكال المقاومة والسيطرة على غور الأردن واستغلال الأماكن الدينية للديانات التوحيدية اخذاً بعين الاعتبار إمكانية انهيار اتفاقية السلام مع الأردن.

يضاف الى كل ذلك التهديدات المستمرة من قبل المتطرفين من أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية والمتكررة خلال السنوات الأخيرة وتوسع قاعدة اليمين الإسرائيلي خلال العقد الأخير، وتصريحات ترامب المتعلقة بالتهجير من غزه وضم الضفة الغربية. وعلى الرغم من ان ترامب تراجع عن قوله بان الأردن ومصر ستقبلان باللاجئين بعد ان تفاجئ من قوة الرد الأردني والمصري وكذلك ردود الأفعال العالمية واكتفى بالتوصية بالأخذ بها. وهنا نشير بان تراجع ترامب قد يكون بسبب وصوله الى قناعه بان يقبل مرحلياً بالخطة العربية، وقد يكون اقتنع بخطة بيرز لقطاع غزه (دون التهجير، ولكن بشكل حكم جديد لغزه يضمن تنفيذ خطته الاستثمارية) وسيعيد طرح مثلها بعد ادخال التعديلات التي تضمن له الهيمنة على غزه، ولا نستبعد اعتبار هذا التراجع إحدى تكتيكات ترامب في إدارة الصفقات، بهدف كسب الوقت وإيجاد الظرف المناسب للدفع بها من جديد، كما حصل في صفقة القرن سابقاً.

ان تصريحات ترامب أدت الى خلق واقع سياسي جديد في إسرائيل اذ انه إعطاء لها بعداً شرعياً من رئيس اقوى دولة (رغم مخالفته للقوانين الدولية، وهو الذي لا يهتم بذلك) ما كانت لتستطيع الدفع بمثله امام المحافل الدولية، كما ورسخ في عقول المجتمع الإسرائيلي الفكرة المتوافقة مع استراتيجية اليمين المتطرف، وسيسعى بكل قوة لتحقيقها عن طريق التوسع التدمير الممنهج وحرب الإبادة في غزة والضفة الغربية.

ان الأردن الذي يتعرض للضغوطات السياسية والاقتصادية والتي قد تكون الأقوى في تاريخه بسبب مواقفه الثابتة والمطالبة بقيام الدولة الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وكون التهديد لأمن الأردن ما زال قائماً، فأن الاردنيين اليوم مطالبين اكثر من أي وقت مضى بتقوية المؤسسات الوطنية كافة وتعزيزها بالقوى البشرية الفاعلة والقادرة على النهوض بالاقتصاد الوطني، كما ان المجتمع الأردني بكافة اطيافه السياسية والاجتماعية مطالبين بالوقوف صفاً واحداً ضد أي نوع من أنواع الاختراق للبيئة الاجتماعية الداخلية، ومطالبين بالتوحد وبقوة خلف القيادة الهاشمية صاحبة الحكمة والخبرة العظيمة وهي الحالة التي يجب ان تكون الحالة الطبيعية في الأردن، باعتبارها الضمانة الوحيدة لحماية الأردن وتعزيز قوته في مواجهة كافة اشكال التهديدات التي من الممكن ان يتعرض لها، وان يكون شعارهم امن واستقرار الأردن هو الاهم.

الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012