أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 01 نيسان/أبريل 2025
الثلاثاء , 01 نيسان/أبريل 2025


إميل أمين يكتب : غزة... قل تهجيراً قسرياً لا طوعياً

بقلم : إميل أمين
29-03-2025 07:16 AM

هل هو فصل جديد، ضمن فصول التغريبة الفلسطينية، تلك التي بدأت عام 1948، واليوم تلوح في الأفق بقيتها؟

يأتي إعلان الحكومة الإسرائيلية عن إنشاء وكالة خاصة تهدف إلى دعم ما وصفتها بـ«المغادرة الطوعية» للفلسطينيين من قطاع غزة، ليقطع بأن السيناريو الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا يزال حاضراً، وأن القائمين عليه، يلتفون من حول التضاريس، للوصول إلى الغرض عينه، أي غزة مفرغة من أهلها، وفي الغد حكماً سنرى السيناريو عينه يتكرر في الضفة الغربية.

لا نغالي إن قلنا إن مثل هذا السيناريو، هو تطهير عرقي مُقنَّع، يحاكي شكلاً وموضوعاً ما قامت به الحركات الصهيونية قبل عام 1948، من خلال عصابات الهاغاناه والإتسل والأرغون، والتي ارتكبت المذابح وهجَّرت بالدم والرعب سكان المئات من القرى الفلسطينية، في طريقها لتأسيس دولة يهودية خالية من العرب. نجح، مع شديد الأسف، ذلك السيناريو البغيض في إفراغ نحو 80 في المائة من الأراضي الفلسطينية من أصحابها، واستمرت السياسة عينها حتى إلى ما بعد حرب عام 1967.

هل تسعى إسرائيل إلى تمرير سيناريو التهجير القسري في حقيقته وليس الطوعي بغطاء إنساني زائف؟

هذه الخطوة تبدو في ظاهرها خياراً فردياً إنسانياً لسكان القطاع، بهدف إنقاذهم من الأوضاع الإنسانية المتردية، وتوفير فرصة نجاة لهم، الأمر الذي لم ينفك الرئيس ترمب يروج له سابقاً، قبل أن يصمت ويفتح الباب لسيناريو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الماورائي.

لا تواري صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، ولا تداري، حقيقة المشهد، وهو أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان معاً للبحث عن دول مستعدة لاستقبال فلسطينيي القطاع، مما يعكس وجود تنسيق عابر للحدود لإنجاح هذه السياسة.

ومع السعي خارجياً لإيجاد بدائل جغرافية، تمضي الخطط الإسرائيلية في الداخل لتضييق مسارب الحياة، وتوفير بدائل الموت، بدءاً من منع وصول المساعدات الغذائية والدوائية، وعدم توفر المياه والكهرباء، وصولاً إلى الهجمات الجوية التي جعلت القطاع حطاماً وركاماً، والنتيجة الحتمية تتمثل في أن يصحو الغزاوي البائس - ذات لحظة وهي حاضرة - ليجد نفسه أمام سيناريو من اثنين، إما الموت جوعاً أو قصفاً على الأرض، وإما الرحيل القسري طلباً للنجاة وفي محاولة للحفاظ على حياته.

الذين طالعوا أخبار خطة التهجير القسري، أدركوا مقدار التلاعب الإسرائيلي بفكرة حقوق الإنسان، عبر الادعاء بعدم الوقوف في طريق من يود الرحيل، فحرية الحركة هنا لا يمكن لأحد منعها، وهو ما أشارت إليه المتحدثة باسم نتنياهو، وكأن المغادرين ماضون في نزهة خلوية، سيعودون من بعدها إلى أراضيهم ودورهم معززين مكرمين.

الخطة الإسرائيلية الجديدة، تظهر قبح ما يسعى له القوميون الإسرائيليون منذ فترة طويلة، وإذا كان الهدف اليوم غزة وفي الغد الضفة، فالمؤكد أن الأطماع ستتجاوز ذلك حتى الوصول إلى تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، من الفرات إلى النيل، وإن بأدوات هجينة، ما بين العسكري والاقتصادي والدبلوماسي.

المؤلم في المشهد أن عجلته تدور بشكل سريع، فخلال الأسبوع الماضي بدأت أعداد من الفلسطينيين الذين يحملون جنسيات دول أخرى في مغادرة غزة، فقد غادر نحو 70 فلسطينياً عبر طائرة عسكرية رومانية من مطار رامون جنوب إسرائيل، في اتجاه أوروبا، وهناك كلام عن رحيل البعض إلى إندونيسيا.

وحال تتبع تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وفحواها عن العمل بكل الوسائل لتنفيذ رؤية الرئيس الأميركي، والسماح لأي شخص من سكان غزة يرغب في الانتقال إلى دولة ثالثة، يترسخ لدينا يقين قاطع بأن سيد البيت الأبيض، قادر بالوعيد أو التهديد، أن يجد كثيراً من دول أوروبا الشرقية، أو بعض الدول الأفريقية، التي تفتح أبوابها لقبول بقية سكان غزة.

والمؤكد أن أي تهجير جماعي لسكان غزة، يأتي في إطار حرب مدمرة، يرقى مباشرة إلى مستوى التطهير العرقي، وهو عمل مرتبط بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.

وفي وقت سابق، ارتفع صوت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية، لتصف هذه الخطة بأنها «وصمة عار»، لا تمحى من تاريخ إسرائيل، وذلك في بيان على موقع «X» باللغة الإنجليزية. «عندما تصبح الحياة في مكان معين مستحيلة بسبب القصف والحصار، فلا يوجد شيء طوعي في مغادرة الناس»، هكذا قال البيان.

تثبيت الفلسطينيين في أرضهم، عبر الضغط السياسي عربياً وعالمياً لرفض التهجير هو الحل لمواجهة مخططات كفيلة بإشعال الشرق الأوسط من جديد بحروب تنتقل من خانة الآيديولوجيا إلى مربعات الدوغمائية، وإدخال العالم برمته في «أزمنة حروب الكراهية».

الشرق الأوسط

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : عرض لوحة المفاتيح
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012