أضف إلى المفضلة
الجمعة , 18 نيسان/أبريل 2025
شريط الاخبار
بحث
الجمعة , 18 نيسان/أبريل 2025


الملك ورسائل قمة القاهرة

بقلم : د . محمد الطماوي
08-04-2025 07:04 AM

جاءت زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى القاهرة بدعوة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور القمة الثلاثية التي ضمت أيضًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتعيد التأكيد على أن الحوار بشأن القضية الفلسطينية لا يمكن أن يكون فاعلاً أو حقيقياً دون مصر والأردن، تلك الحقيقة الثابتة تترسخ مع كل أزمة تمر بها المنطقة، وتتكرس اليوم في مشهد سياسي بالغ الرمزية والدلالة: حيث القاهرة لا تحضر دون عمّان، والعكس صحيح.
لقد فرضت القاهرة وعمّان نفسيهما كصوتين عربيين أساسيين في مشهد الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ليس فقط عبر الكلمات، بل من خلال أدوار دبلوماسية فاعلة وتحركات إنسانية ومواقف ثابتة قائمة على احترام القانون الدولي والسعي لتحقيق العدالة.
حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها نكررها دائماً، عندما تكون مصر حاضرة، لا يغيب الأردن، والعكس صحيح، هكذا تبدو ملامح التحالف الاستراتيجي بين البلدين، والذي لم يعد فقط نتاج تاريخ مشترك، بل بات يمثل رؤية موحدة لمستقبل المنطقة، وتقديراً عميقاً لمفهوم المصير الواحد الذي يجمع شعبي وقيادتي البلدين.
زيارة الملك عبدالله الثاني إلى القاهرة وحضوره القمة الثلاثية أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن العلاقة بين القاهرة وعمان ليست مجرد تنسيق موسمي، بل هي تحالف استراتيجي راسخ، يقوم على شراكة مصير ورؤية متكاملة لمستقبل المنطقة، إنها علاقة تتجاوز اللحظة السياسية، وتُبنى على عمق إنساني، وثقة متبادلة، وتقدير مستمر لما تمثله كل دولة من قوة إقليمية داعمة للاستقرار والعدالة في الشرق الأوسط.
ما يضاعف من أهمية هذه القمة، أنها تأتي بعد عام كامل من نشر مقال مشترك تاريخي، حمل توقيع كل من الملك عبدالله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 8 أبريل 2024، ونُشر بالتزامن في عدد من أبرز الصحف العالمية والعربية، منها: الأهرام المصرية، والرأي الأردنية، ولوموند الفرنسية، وواشنطن بوست الأميركية.
هذا المقال لم يكن مجرّد موقف عابر، بل وثيقة أخلاقية وسياسية تدعو المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لإنهاء المأساة الإنسانية في غزة، وتحقيق سلام عادل ودائم عبر حل الدولتين، والضغط من أجل تنفيذ قرارات مجلس الأمن.
المقال المشترك حينها طالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2728 دون تأخير، وأدان بشدة الهجوم على رفح والمخاطر التي يحملها من تهجير قسري للفلسطينيين. كما حمّل إسرائيل مسؤولية عدم الوفاء بالتزاماتها في إدخال المساعدات الإنسانية، وشدّد على ضرورة فتح جميع المعابر، بما في ذلك الممر البري من الأردن.
ما يلفت الانتباه أن زيارة الملك عبدالله الثاني إلى باريس سبقت الإعلان عن هذه القمة، في تحرك دبلوماسي محسوب هدفه التمهيد السياسي والتنسيق مع الشريك الأوروبي الأساسي – فرنسا – لتوحيد المواقف قبيل اللقاء الثلاثي، هذا الحضور الدائم للملك عبدالله الثاني في المشهد الدولي ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لدور طويل لعبته عمّان في إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في المحافل الدولية، مستندة إلى شرعيتها التاريخية والروحية كوصي على المقدسات في القدس، وإلى علاقاتها المتينة مع العواصم الكبرى.
لم تكن مشاركة الأردن في القمة مجرد حضور بروتوكولي، بل تأكيد على وحدة الرؤية الاستراتيجية بين القاهرة وعمّان، فالتوافق بين البلدين لم يقتصر على الملف الفلسطيني، بل يشمل ملفات أخرى متعددة، من الأمن الإقليمي، إلى الطاقة، والتعاون الاقتصادي، والتنسيق العسكري والاستخباراتي، هناك توأمة سياسية فعلية قائمة على مبدأ المصير الواحد والمصلحة العربية العليا.
تشكل هذه القمة الثلاثية – ومعها المقال المشترك قبل عام – رسالة بالغة القوة إلى المجتمع الدولي، فحواها أن لا حل يمكن أن يُفرض أو يُناقش بشأن فلسطين دون إشراك القوى العربية الأصيلة التي دفعت ثمن الحرب والسلام، وحملت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني.
تحمل القمة الثلاثية في طياتها رسائل واضحة المعالم لا تحتمل التأويل، إلى إسرائيل، جاءت الرسالة حاسمة: إن الاستمرار في العمليات العسكرية، يعني تجاوزاً للخطوط الحمراء وتهديداً مباشراً للسلم الإقليمي، ولن يمر دون عواقب سياسية وأمنية، أما إلى الولايات المتحدة، فكانت الرسالة أكثر جرأة ووضوحاً، مفادها أن صمت واشنطن أو ترددها في كبح جماح حليفها الإسرائيلي لم يعد مقبولاً، وأن عليها أن تتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية كقوة عظمى وضامن للشرعية الدولية، كما أن القمة أعادت التذكير بأن ازدواجية المعايير الدولية في ?لتعامل مع الأزمات، وتجاهل الكارثة الإنسانية في غزة، لم يعد يُضعف فقط مصداقية النظام العالمي، بل يهدد بتفكيكه من الداخل، لقد وضعت القاهرة وعمّان وباريس الجميع أمام استحقاقات الحقيقة، وطرحت خياراً وحيداً لا ثاني له: إما سلام عادل وشامل أو انفجار أكبر لا تُحمد عقباه.
إن عمّان والقاهرة لا تطالبان بامتياز سياسي، بل بحق أصيل في صوغ مستقبل المنطقة، وبناء سلام دائم على أسس العدالة والكرامة، ورفض الاحتلال، ووقف الانتهاكات، قمة القاهرة الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة من حلقات التنسيق العميق بين مصر والأردن وفرنسا، وتجديد للعهد بأن فلسطين ليست ملفاً مؤقتاً في دفتر العلاقات الدولية، بل قضية هوية وكرامة وسيادة، لا يمكن القفز فوقها أو تجاوز أصحابها الحقيقيين.

**كاتب مصري
دكتوارة الاقتصاد – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

الرأي

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : عرض لوحة المفاتيح
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012