أضف إلى المفضلة
الجمعة , 18 نيسان/أبريل 2025
شريط الاخبار
بحث
الجمعة , 18 نيسان/أبريل 2025


ربيعٌ يتسلل خجولًا.. فماذا نفعل؟

بقلم : د. أميرة يوسف مصطفى
11-04-2025 12:34 AM

يمرّ الربيع هذا العام كأنّه عابر سبيل، لا يُلقي التحية ولا يترك أثرًا. كأنّ الأرض قد فقدت نبضها، والسماء عزفت عن السخاء، في زمنٍ تبدو فيه الطبيعة وقد شاركت العالم جفاؤه، فغدت المواسم بلا طعم، ولا ظلّ، ولا أمل.
فصول تتداخل، ومطرٌ شحيح لا يكفي لإنعاش التربة، وحقول تنتظر عبثًا أن تعقد السنابل وتنضج الثمار. نرى الأرض تتشقّق، والزهور تذبل، والجبال التي كانت تزهو بالخضرة تصمت تحت وطأة الجفاف، وكأنّ الفصول فقدت توازنها، وفقدنا معها تلك البهجة التي كنا ننتظرها مع قدوم الربيع.
ما يحدث اليوم من تغيّرات مناخية وجفافٍ متزايد لم يعد مجرد قضية بيئية، بل تحوّل إلى أزمة تمسّ عمق المجتمع، وتؤثر على استقراره. فالجفاف لا يُرهق الأرض وحدها، بل يرهق الإنسان أيضًا، ويثقل كاهل الفقراء، ويزيد من معاناة الأسر التي تعتمد على الزراعة كموردٍ وحيدٍ للحياة.
الشباب يهاجرون من القرى، والريف يذبل كما تذبل أشجاره. وتنهار معه علاقات الناس بالأرض، فيضعف ارتباطهم بالجذور، وتفقد البيئة دورها في دعم الأمن الغذائي الوطني.
وفي الأردن، حيث تُعد الزراعة محدودة أصلًا، يشكّل الجفاف خطرًا مضاعفًا: تقلّص في الرقعة الخضراء، ارتفاع في تكلفة الإنتاج، وزيادة الاعتماد على حلول مكلفة كشراء المياه أو الري الصناعي، ما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ويُثقل كاهل المواطن البسيط.
وتكرار هذه الأزمات يؤدي إلى فقدان الثقة بالمستقبل الزراعي، وهجرة المزارعين أراضيهم، وتحوّل الأسواق إلى رهينة للاستيراد الخارجي. وهذا التراجع في الإنتاج المحلي يُضعف قدرة الدولة على تأمين غذائها، ويزيد هشاشة الأمن الغذائي.
لكن الأزمة لا تقف عند هذا الحد؛ إذ تتأثر بها السياحة البيئية أيضًا. لم تعد جبال عجلون والشوبك والبلقاء وجهاتٍ مبهجة كما كانت، ولا عادت الطيور المهاجرة تجد في سهولنا مكانًا للراحة؛ فالصحراء تمتد، والخضرة تنحسر، ومواسمنا الجميلة تختصر أيامها في بضع نسمات تمرّ سريعًا.
فماذا يمكننا أن نفعل؟
الخطوة الأولى تبدأ بالتقشف المائي. علينا أن نعيد التفكير في عاداتنا: نوفّر ما أمكن من الماء، نُصلح الأنابيب المتآكلة، نُقلّل من استخدام المياه في الأمور غير الضرورية، ونُرسّخ ثقافة الحفاظ على المياه في مدارسنا، وإعلامنا، ومساجدنا. يجب أن نعتبر هذا العام عامًا شحيحًا، ونتعامل معه بمسؤولية، ونعلّم أبناءنا قيمة كل قطرة ماء.
كما يجب على الحكومة أن تتهيأ لموسم الجفاف، ليس فقط عبر إدارة السدود، بل من خلال استثمار الآبار الارتوازية غير المستغلة، لتكون مصدرًا احتياطيًا يسند حاجة الناس والمزارع والحيوان في أوقات الشح.
تغير المناخ أزمة وجودية لا تميّز بين غني وفقير، لكنها تضرب الأضعف أولًا وبقوة أكبر. الفقر يعمّق آثار الجفاف، والجفاف يوسّع دائرة الفقر، فتتكون حلقة مفرغة من التدهور يصعب كسرها دون وعي جماعي وتكافل حقيقي.
لا أمن غذائي بلا أرض تُروى، ولا مستقبل دون بيئة سليمة، ولا قوة لمجتمعٍ تنهكه الفاقة وتُنهك أرضه. ربيعنا الخجول هذا العام ليس مجرد فصلٍ مضى، بل رسالة تطلب منّا أن نُعيد حساباتنا، وننقذ ما تبقّى، قبل أن تغيب الفصول الجميلة عن أرضنا إلى الأبد.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : عرض لوحة المفاتيح
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012

تواصل معنا عبر :