|
|
لا جديد
بقلم : ناهض حتر
27-08-2012 11:47 PM أسقط الحراك الشعبي العربي في السنتين الأخيرتين، جملة الأوهام حول البديل الليبرالي؛ تبيّن أن مداه لا يتعدى، في أفضل الحالات، تغيير النخب الحاكمة، وليس المضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحكم الذي بقي بين أيدي الفئات الكمبرادورية المرتبطة بالغرب الامبريالي والخليج. لا جديد يبشر الفقراء والمستغَلين والعاطلين وسكان أحزمة البؤس والمتسربين من التعليم والمحرومين من التأهيل التنافسي، لا جديد يبشر بكسر حلقة التخلف وإحداث القفزة التنموية، لا جديد في ميدان الحقوق الاجتماعية والخدمات العامة، ولا جديد في العلاقة التبعية مع الغرب والخضوع للمشروع الصهيوني. الجديد الوحيد هو في المجال الثقافي، حيث بدأت، بالفعل، الهجمة على كل مناحي التنوير والمدنية، صوب شمولية ثقافية رجعية معادية لحرية العقيدة والفكر والحق في اختيار نمط الحياة الشخصي، وتقوم على إطلاق الغرائز العدوانية للعصبيات المذهبية والطائفية والاتنية من كل لون وشكل، وعلى التعصّب الأعمى ضد الاختلاف الثقافي، وعلى الإرهاب المستهدف فرض نموذج وحيد لحياة العرب . وليس ما حدث ويحدث في مصر وتونس ـ حيث نجح التغيير الليبرالي ـ هو انحراف عن الليبرالية، بل هو نتيجتها الحتمية في الظروف العيانية القائمة؛ فقد مثّل استبعاد البرنامج الوطني الاجتماعي، وبالتالي استبعاد المساس بالنظمة الكمبرادورية السياسية والاقتصادية، الأرضية المواتية لهيمنة الخطاب الديني الإخواني السلفي المتدحرج نحو الوهابية، سياسيا، وتحوُّل قواه، بدعم أمريكي خليجي، إلى أداة جديدة، أسوأ من سابقتها، لإعادة إنتاج النظام الكمبرادوري وعلاقاته الاجتماعية الداخلية وسياساته الخارجية في السياق السابق نفسه ( النموذج الاقتصادي لصندوق النقد الدولي، و' الصداقة' مع واشنطن، والتنسيق الأمني مع إسرائيل) . لكن، في سورية، تحطمت كل الأوهام من كل الألوان. الوعي الليبرالي انزلق وذاب في وعي طائفي مذهبي رجعي، ومن ثم في وعي لا وطني وإرهابي. وهو مسار حتمي؛ فشعار: 'حرية' المفقَر من كل مضمون وطني اجتماعي، كان لا بد له أن ينتهي، في ظروف سورية، إلى تخليق حاضنة محلية للغزو الإرهابي الأجنبي والتعاون مع أجهزة الاستخبارات الدولية، والتحوّل من مواقع المعارضة الليبرالية إلى العمالة الصريحة والقتل على الهوية. بالمقابل، سقطت أوهام الفصل التعسفي بين السياستين الخارجية والداخلية؛ إذ تبين أنه كان من المستحيل إدامة سياسات الممانعة والمقاومة مع اتباع السياسات النيوليبرالية وسيطرة الكمبرادور على قطاعات ومجالات اقتصادية وخدمية أساسية وتعمق نظمة الامتيازات واختلاط السياسة بالبزنس والفساد، كما أنه كان من المستحيل الحفاظ على الدولة القومية المستقلة ونهجها السياسي في ظل العلاقات الانتهازية مع الغرب وتركيا والخليج. وهو ما طرح، في النهاية، الضرورة الموضوعية لانسجام الخيارات والسياسات. والتحدي المطروح أمام سورية اليوم هو مواجهة الذات؛ في خيار وطني اجتماعي يذهب نحو الحدود اليسارية القصوى الممكنة موضوعيا، أو الانهيار تحت ضربات الحصار والإرهاب والخروق الأمنية. أخشى أننا في طريق انحلال الأمة لا بالمعنى المجازي، بل بالمعنى العياني في سيناريو يتحول فيه العرب والمسلمون إلى فائض سكاني مفقَر له وظيفتان في خطط الإمبريالية؛ هما تزويدها بالنفط والغاز وعوائدهما... و بجيوش من السلفيين الجهاديين لخوض معاركها المقبلة في روسيا والصين والبلدان الآسيوية. وعلينا أن نبحث اليوم جديا في هذا السيناريو: فبسبب أزمتها الاقتصادية التاريخية من جهة، وبسبب مستجدات ولادة تعدد القطبية من جهة أخرى، غدت الإمبريالية ـ التي لا تستطيع فرض هيمنتها على العالم إلا بالقوةـ منزوعة الأسنان. فهل تجد في القدرات الإرهابية الخصبة في العالم العربي والإسلامي، أسنانها الجديدة؟
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|