25-10-2010 11:43 AM
كل الاردن -
نبيل غيشان
ظاهرة المديح لغايات كسب المال كانت احدى السمات التي عرفها الشعر العربي, بدأت في الجاهلية واشتد عودها في عصر الاسلام والنهضة, فكان لها رموزها من اعشى قيس والنابغة الذبياني, ووصولا الى ابي فراس الحمداني ومالىء الدنيا وشاغلها "المتنبي".
فشعراء العربية واشباههم كانوا يحاولون امتهان الشعر وجعله صناعة ومهنة يكسبون رزقهم من وراء ابيات يقولونها في مدح فلان او ذم فلان, اذاً, الهدف حفنة من المال حتى لو كان المديح كذبا ومبالغا فيه.
ويبدو ان الصورة لم تختلف منذ الجاهلية الاولى, ففي هذه الايام نرى بعض من يسمون انفسهم شعراء او شاعرات يتنقلون من مقر انتخابي الى اخر من اجل مدح مرشح لا يعرفونه حتى ان بعضا من المرشحين يتفاجاؤن بطلب مجهولين للخطابة او القاء الشعر, والنتيجة ان المادح يطلب خمسين دينارا وهي ارخص الاسعار.
انها ليست "تكسب" بل شحدة واذلالا للنفس من اجل حفنة من الدنانير, فشهداء الزور جاهزون في كل مهرجان وامام كل مقر انتخابي, هم يعرفون المرشح منذ الصغر, وتدرجوا معه من الصف الاول الابتدائي الى الجامعة, يعرفونه مناضلا, شريف الفرج عفيف اللسان, كريما معطاء, لا يعرف صفا الا الى جانب الفقراء والمساكين والمظلومين والمهمشين, لم يترك بابا للعلم والكرم والشهامة والتسامح الا ودخله وكان من فرسانه.
لكنه كلام هراء, فالمادح لا يعرف الممدوح, وليس بينهما سواء "البزنس" فالاول يبحث عن المال والتكسب من قوافيه والمرشح يريد ان يتباهى امام ناخبيه واقربائه ومعارفه في المقر الانتخابي, وكذلك يحاول المرشح إيهام الاخرين بانه شخص معروف يقصده الشعراء رغم ان الاخرين يعرفون انهم شعراء نكرات لا يعرفهم احد.
وبعضهم يلجأ الى ابنه وابنته التي تحفظ قصيدة عن الجود والكرم والاخلاق والعلم والمعرفة وعِلية القوم اضافة الى العروبة والاسلام والجرح النازف في فلسطين, كل ذلك من اجل ان يقف الطفل او الطفلة في احد المقرات الانتخابية لتحية المرشح وانصاره ومحازبيه.
ما الذي يجعل شاعرا من الكرك او اربد ان يلقي قصائد المديح في مقر انتخابي في الشميساني او عبدون او الزرقاء, انه التكسب بالقوافي, الذي اصبح وسيلة جديدة في بعض المقرات الانتخابية, انه الكذب البَيّن على الممدوح وجمهوره.
شاعر مملوكي هجر التكسب بالشعر انشد يقول:
قالوا تركت الشعر قلت ضرورةٌ
باب البواعثِ والدواعي مغلقُ
خلت الديار فلا كريم يُرتجى
منه النوال و لا مليح ي¯¯¯عشقُ
والسبب ان لا احد يمنُّ عليه بالمال, ولا وجه صبية جميلا يطربه!!
nabil.ghishan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)