25-10-2010 11:39 AM
كل الاردن -
ياسر الزعاترة
بحسب مصدر نقابي تحدث لـ"الدستور" ، فإن نقابة الأطباء بالتعاون مع وزارة الصحة سجلت عددا من المخالفات بحق حوالي مئة طبيب ، أهمها المغالاة في الأجور.
لا نعرف ابتداءً ما الذي ستفعله النقابة بحق هؤلاء الأطباء ، وإن كنا نرجح أنها لن تفعل شيئا ، لا هي ولا الجهات الأخرى باستثناء لفت نظر عادي ، والسبب أن لهؤلاء الأطباء نفوذهم وسطوتهم تبعا لشهرتهم ، ومن ثم معرفتهم وصلتهم بعدد كبير من الناس المؤثرين.
الأرجح أن الأطباء الذين تنطبق عليهم نظرية المغالاة في الأجور ليسوا مجرد مئة ، بل أكثر من ذلك ، وإن تميز المئة الأوائل بمغالاة من النوع الذي يثير انتباه الأثرياء ، فضلا عن متوسطي الدخل.
سيقول قائل إنه منطق السوق ، فمن شاء فليشتر ومن شاء فليذهب إلى بائع آخر ، الأمر الذي يبدو منطقيا لو كنا نتحدث عن عالم غير عالم الطب ، تلك المهنة الإنسانية العظيمة ، فضلا عن أن الأمر ليس بهذه السهولة ، إذ كثيرا ما يجد المرء نفسه متورطا مع أحد هؤلاء دون معرفة مسبقة بطريقة عمله ولا أسعاره الفلكية. ثم إن "صاحب الحاجة أرعن" كما يقال ، والإنسان حين يتعلق الأمر بصحته ، فإنه كثيرا ما يغامر بدفع أكثر من طاقته لقاء خدمة أفضل.
المصيبة بالطبع أن هذه الفئة من الأطباء ، ونظرا لكثرة الطلب عليهم غالبا ما يتغير نمط تعاملهم مع الناس ، فهم وتحت طائلة تحصيل المزيد من المال لا يمنحون المريض حقه من الوقت والجهد ، فإذا كان المريض في حاجة إلى 20 دقيقة للتشخيص مثلا ، فإنهم يشخصونه خلال خمس دقائق من أجل كسب الوقت لتشخيص أناس آخرين في الانتظار ، ونادرا ما تجد منهم من يعطي مواعيد بحسب قدرته على التشخيص والعلاج على نحو يمنح المريض ما يستحقه من وقت حتى يحصل على التشخيص الملائم ومن ثم يستفسر عن حالته ومرضه. ولا تسأل بعد ذلك عما يطلبونه من إجراءات بعضها داخل العيادة تكلف الكثير ، وبعضها خارج العيادة وفق صيغة تعامل مع بعض الجهات الأخرى لا تخلو من التجارة.
ذات مرة تورط صديق لي مع أحد أولئك في عملية بسيطة لابنه استغرقت عشر دقائق تقاضى عليها 750 دينارا (غير أجرة المستشفى) ، ولما سألته والدة الطفل عن الحالة رفض الرد عليها بدعوى أنها لا تفهم في الطب ، ثم تبين لاحقا أنه لم يفعل شيئا لأن الحالة لم تستدع شيئا في ذلك الوقت (بحسب رأيه الذي لم يفصح عنه).
من الجدير بالذكر أن ما نقوله هنا لا يشمل كل الأطباء الكبار ، إذ أن منهم من يتعاملوا بروح إنسانية ، وأيديهم ممدودة بالخير والعطاء ، لكننا نتحدث عن فئة معينة.
في هذا السياق ، ثمة حكايات كثيرة يمكن لأي أحد أن يسمعها في أي مجلس إذا فُتح الملف ، ولو تتبعت بعض المآسي التي تعرض لها بعض المرضى العرب ، فإن الأمر يغدو أكثر سوءًا ، وكثيرا ما ساهم في تشويه صورة الطب في بلدنا ، مع أنه لا يزال بحمد الله مميزا إلى حد كبير.
ربما كان من الصعب ضبط ما يجري في السوق ، بخاصة على صعيد العمليات الجراحية ، لكن الأكيد أن لائحة أجور عادلة ، إلى جانب قانون مساءلة طبية معقول قد باتا من الضرورات الملحة من أجل ضبط عالم الطب في بلدنا ، لأن الأولى ستساهم في ضبط جشع بعض الأطباء ، فيما يساهم الثاني في حماية الناس من الأخطاء الطبية التي يتفنن البعض في إحالتها إلى القضاء والقدر ، لكأن الإيمان بالقضاء والقدر يعفي المخطىء من مسؤوليته.
بقي أن نوجه التحية لكل طبيب يحترم مهنته ويحترم نفسه ، وهم الأكثرية في بلدنا بحمد الله ، لكننا نتمنى أن يكون لنقابة الأطباء دورها في متابعة الأخطاء والمخالفات (بمن في ذلك المتطفلون على مهنة الطب من المشعوذين بشتى أصنافهم) ، والأصل أن منطق القبيلة بطبعته السيئة لا ينبغي أن يحكم النقابات المهنية ، بل منطق الحفاظ على صورة المهنة إلى جانب تحقيق مصلحة المجتمع برمته.
(الدستور)