هذا
السيل من التجريم للمقاطعة والمقاطعين للانتخابات لا يبدو لائقا ، ولا يعبر عن
ممارسة ديمقراطية بأي حال من الأحوال ، أكان الحديث يدور عن ممارسة جماعية (حزبية)
، أم ممارسة فردية ، فالمشاركة والمقاطعة جزء من الممارسة السياسية المشروعة ، ولا
ينبغي لأحد أن يفرض رأيه على أحد.
كل
ما قيل حول أضرار المقاطعة على الوطن والمقاطعين لم يكن مقنعا بحال ، لأن المشاركة
أصلا لم تأت بالكثير ، ومن يتذكر ما كان الحال عليه قبل المرحلة الديمقراطية ، ثم
يقارنه بما بعدها لن يجد الكثير من الفرق ، بل ربما ذهب نحو رؤية معاكسة تقول إن
الحال قبلها كان أفضل.
من
حق الحكومة أن تحشد من أجل نسبة مشاركة عالية ، الأمر الذي تحرص عليه سائر الدول
من أجل تقديم وجبة انتخابية جيدة ، لكن الكلام الذي يتكاثر من هنا وهناك يتجاوز
الحدود في هجاء المقاطعين ، لكأن مشاركتهم ستحل سائر المشكلات ، وستجعل الدنيا "قمرة
وربيع" ، فيما يعلم الجميع أن مشاركاتهم السابقة لم تقدم شيئا يذكر للمواطن
الذي ما لبث تبعا لذلك أن انفضّ من حول اللعبة برمتها ، اللهم إلا من ذهب إلى
الصناديق لاعتبارات عشائرية أو فئوية.
على
الذين يتحدثون عن الخسائر من جراء المقاطعة أن يقدموا جردة حساب لأرباح المشاركة ،
سواءً للحركة الإسلامية التي قاطعت ، أم للوطن والإصلاح والتعددية والحريات
والتنمية والعدالة ، وسوى ذلك من القضايا التي تهم المواطن. أما أن يواصلوا الكلام
العمومي دون تحديد ، فذلك ما لن يؤدي إلى دفع الناس نحو المشاركة ، بل ربما ساهم
في المزيد من عزوفهم عنها.
العزوف
عن صناديق الاقتراع ليس شأنا أردنيا ، فقد تابعناه في المغرب والجزائر وسواها من
الدول التي تطبق نظام الانتخابات الذي لا يغير شيئا في أرض الواقع ، وقد ثبت أن
الإيمان بجدوى مشاركة الإسلاميين آخذ في التراجع ، بل ربما وصل الحضيض ، ومعلوم أن
مقاطعة الإخوان لم تأت إلا بناء على استفتاء القواعد الذين يعبرون عن هواجس الناس
الذين يعيشون بينهم.
في
أعرق الديمقراطيات يحدث أن يقاطع ما يقرب من نصف الناس ، فكيف في ديمقراطيات لا
يلمس الناس منها شيئا مذكورا على صعيد الحياة الشخصية والعامة. ولذلك لا ينبغي
لأحد أن يفاجأ إذا جاءت نسبة المشاركة محدودة ، مع العلم أن القدرة على رفعها
بالطرق المعروفة ليست صعبة ، من دون أن يصب ذلك في خدمة نائب على حساب آخر في هذه
الدائرة أو تلك ، أو من دون الحاجة إلى تزوير النتائج بتعبير أدق.
في
السياق الذي نحن بصدده قيل الكثير عن مشاركة الإخوان في مصر في الانتخابات مقابل
مقاطعتهم هنا ، الأمر الذي لا يبدو غريبا بحال ، فالأمر في جوهره تعبير عن ممارسة
شورية داخل الجماعة ، والأرجح أنهم (أي إخوان مصر) سيفاجأون بما لا يسرهم في هذه
المشاركة ، أكان على صعيد إقبال الناس على المشاركة بعدما ثبت أن 88 نائبا في
البرلمان لم يكن بوسعهم أن يفرضوا على أجندة المشاركة بندا لا يرضى عنه الحزب
الحاكم ، أم على صعيد التزوير والنتائج بشكل عام.
في
ضوء ما جرى إلى الآن ، صار بالإمكان القول إن البرلمان القادم لن يختلف كثيرا عن
البرلمان السابق ، حتى لو تغيرت بعض الوجوه ، ولو شارك الإخوان لانحصر التغيير في
إضافة بعض النكهة المعارضة ، الأمر الذي لن يعني الكثير بالنسبة للمواطن.
بقي
القول إن مقاطعة الإخوان ستبقى برسم التقييم بناءً على ما سيقدمونه خلال المرحلة
المقبلة ، إذ بوسعهم أن يثبتوا وجودهم بشكل أفضل ، ومعهم برنامجهم وخدمتهم لقضايا
البلد الداخلية والخارجية ، لكن العكس يبقى واردا ، والنتيجة أن الأمر سيعتمد على
سلوك القيادة وحكمتها وشجاعتها.
التعليقات
لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .