01-09-2010 01:58 PM
كل الاردن -
بقلم: فهد الريماوي - المجد
في اكبر اهانة للمفاوض الفلسطيني الذليل، واستهانة بموقفه التفاوضي الهزيل، قال ثعلب السياسة الصهيونية شمعون بيرس، قبل بضعة اعوام، ان اسرائيل تشعر وهي تفاوض الفلسطينيين بانها تتفاوض مع نفسها·
يومها ثارت ثائرة بعض المفاوضين - او التفاوضيين - الفلسطينيين، واطلقوا صليات صوتية فارغة لعلها تحفظ ماء الوجوه الكالحة، ولكن الحقيقة بقيت اكبر من قدراتهم على انكارها·
طافت في خاطري، وضمن بنات افكاري مقولة بيرس التبجحية والاستعلائية، وانا ارى واسمع هذا الاوان كيف لحست سلطة محمود عباس، وجامعة عمرو موسى كامل الشروط والتحفظات على استئناف المفاوضات المباشرة، اكراماً للحسيب النسيب باراك اوباما، ونزولاً عند رغبة رجل السلام الاوحد بنيامين نتنياهو الذي يبدو انه قد اشتاق الى شوط جديد من لعبة التفاوض مع نفسه·
في موازين القوى التفاوضية، شتان بين موقف عباس البالغ الضعف والهوان، وبين موقف نتنياهو المدجج باوراق الدعم والاقتدار·· فبينما يفتقر عباس الى اوراق نضالية واوضاع ميدانية ضاغطة، والى صف شعبي فلسطيني موحد ومعاضد، والى عمق عربي واسلامي يُعتد به ويُعول عليه·· يحظى نتنياهو بحكومة وحدة وطنية ترفع الراية الليكودية، وبتفوق سياسي وامني وعسكري كاسح على الارض، وبدعم خارجي يصل حد الاسترضاء من لدن الرئيس الامريكي الذي بات يتسول عطف اللوبي اليهودي صباح مساء·
الاهم من كل ما تقدم، ان نتنياهو يمتلك كامل اوراق القدرة والشرعية والارادة، فيما تغيب عن عباس هذه الاقانيم الثلاثة، بعد ان اوغل مع شريكه سلام فياض في دروب الردة والضعف والتبعية، وبات لا يملك من ارادته، او وطنيته او شرعيته شيئاً، ليس في مواجهة المحتل الاسرائيلي فحسب، بل ايضاً في مسايرة وممالأة انظمة الاعتدال العربي التي لم تتورع عن جلبه الى "بيت الطاعة" التفاوضي، والاشتراك معه في زفة الافتتاح وحفل التدشين، بمجرد ان رغب الرئيس الامريكي في ذلك، وارتأى ان يتسع بيكار التسوية ليشمل الى جانب سلطة عباس، بعضاً من دول الاعتدال العربي·
لقد نجح اوباما في اقناع كل من مصر والاردن والامارات والسعودية، بان سلطة عباس غير قادرة وحدها على انجاز مشروع التسوية مع اسرائيل، وتحمل اعباء هذه التسوية - الاصح التصفية - وتبعاتها الثقيلة، الامر الذي يحتم على هذه الدول التي استبدلت ايران باسرائيل في معادلة العداء، ان تضع كتفاً الى جانب السلطة، وتتحمل بالتالي قسطاً من اعباء وتبعات التسوية، خصوصاً وان هذه التسوية لن تتم في داخل فلسطين فقط، بل وفي خارجها وعلى حساب المجاورين لها ايضاً·
في حسبان اوباما، وربما في الواقع ايضاً، لم تعد فلسطين قضية مركزية، او قضية العرب الاولى، او حتى قضية وطنية وتاريخية مزمنة، بل لعلها قد انحدرت وبهتت وتقزمت على ايدي ابنائها قبل اعدائها، حتى باتت محض مشكلة شرق اوسطية تبحث عن حل، او ازمة مستعصية تفتش عن مخرج، وهي شأن باقي الازمات والاشكاليات العويصة، تحتاج الى تدخل دولي واقليمي لحلها، والى وقت تفاوضي ثنائي تارة وجماعي تارة اخرى لايجاد المخارج المناسبة لها·
من هنا يمكن الاعتقاد بان الحضور المصري والاردني لجلسات اطلاق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية العتيدة في واشنطن قريباً جداً، ليس حضوراً احتفالياً او برتوكولياً، بل هو نوع من المشاركة الفعلية، ولو من طرف خفي، في هذه المفاوضات، خصوصاً وان مصر والاردن سوف تقاسمان السلطة اعباء الحل، وتتحملان قسطاً من ترتيباته وتبعاته المستقبلية، سواء لجهة الامن او الاقتصاد او السكان الفائضين عن الحاجة في قطاع غزة والضفة الغربية، وحتى فلسطين عام 1948·
ولعل الجديد في مبادرة اوباما السلمية، وفي مفاوضات واشنطن المقبلة، هو قبول عرب الاعتدال شبه العلني بمبدأ حل القضية - او المشكلة- الفلسطينية خارج فلسطين، واستعدادهم لاستيعاب فائض الديموغرافيا الفلسطينية داخل بلدانهم المجاورة كالاردن ومصر ولبنان، وغير المجاورة كالعراق ودول الخليج العربي التي غالباً ما ستحذو حذو لبنان في تسهيل حياة الفلسطينيين لديها، تمهيداً للتوطين·
اغلب الظن ان الجذر الحقيقي لمفاوضات واشنطن هو الديموغرافيا - وليس الجغرافيا - الفلسطينية، وان نجاح او فشل هذه المفاوضات سيعود بالدرجة الاساس الى هذا العنصر وليس سواه، كما سيعود الى جاهزية عرب الاعتدال للتعاطي مع هذا العنصر سلباً وايجاباً·· ذلك لان العنصر الجغرافي لم يعد يشكل عائقاً صعباً امام المتفاوضين، ولا سيما بعد ان تنازلت سلطة عباس سلفاً عن القدس والمستوطنات والحدود وحق العودة، وهي كلها قضايا جغرافية·· فيما رفعت حكومة فيشي، او فياض شعاراً ماسونياً وكوزموبوليتانياً بخصوص "الدولة الاقتصادية" التي تقدم المنفعة على التضحية، والرفاهية على الوطنية، والتعاون التجاري والاستثماري العابر للحدود على التمسك بالارض والهوية والسيادة والحقوق التاريخية·
فكرة الوطن الاقتصادي، او الدولة البازارية المعلقة في الهواء، ليست من عنديات المدعو سلام فياض، ولا من بنات افكاره النيرة، وانما هي دسيسة صهيونية وماسونية فتاكة يراد لها ان تحل بديلاً عن الافكار والطروحات الوطنية والقومية والاسلامية، وان تشكل مصيدة للجماهير الشعبية العربية التي تنوء تحت وطأة المتاعب والاعباء المعاشية، وان تسود بالتالي في مشارق الارض العربية ومغاربها، ودونما اية حساسيات او تحفظات او اعتراضات على التعاون والتنسيق مع "الشقيقة" اسرائيل·
اخشى ما نخشاه ان تفلح مبادرة اوباما التي مازالت سرية، في الجمع والمزاوجة بين تفريط سلطة عباس بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وبين تهاون بعض الدول العربية في سيادتها واستقلالية قرارها وامانة مسؤوليتها، بغية التفريج عن نتنياهو، والتسليم بشروط التسوية الجديدة، والانصراف لمعاداة ايران بدل اسرائيل، والدخول في خضم متوالية سياسية بائسة تتمثل في لجوء محمود عباس الى غض الطرف عن "حق العودة"، مقابل قيام هذه الدول بغض الطرف عن "حق التوطين"·
ولكن·· صدقوني ان للبيت رباً يحيمه، وان للاقصى قدراً يصونه ويحدب عليه، وان للقدس سحرها وعطرها وصوفيتها التي تحول دون تهويدها مهما فعل الغاصبون، وان لفلسطين طهارتها وقداستها وتاريخيتها وعبقريتها التي طالما ردت كيد الكائدين، وفضحت تخاذل المتخاذلين، واحبطت على مدى مئة عام سائر المبادرات والمؤامرات والمغامرات والمخططات التي استهدفت تهجئة فلسطين بحروف عبرية وليس عربية·
"ومكروا ومكر الله، والله خير الماكرين"·· صدق الله العظيم·
التكرش·· ظاهرة تستدعي الترشيق
وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري بيروت
تكرّش حتى عاد بلا رقبه··
(مظفر النواب)
الكرش، لعنة جسدية تأخذ شكل اختفاء الخصر، وانبعاج البطن·
الكرش، حمل كاذب قوامه فوائض الشحم واللحم والدسم والامعاء الغليظة·
الكرش، مستوطنة دهنية سرطانية تثقل اواسط الجسد، وتشوه جماليات القوام·
الكرش، خيانة مشهودة لدولة الرشاقة، وعالم الاناقة، ومشتقات اللياقة البدنية·
التكرش علة وليست نعمة·· عاهة وليست وجاهة·· نقيصة وليست خصيصة·· علامة نهم وشره وتخمة، وليست دلالة غنى وتميز ورفاهية·
زمان·· ايام الفقر والجوع والتخلف الطبي والاجتماعي، كان للمتكرشين مقدارهم واعتبارهم، فهم معدودون من علية القوم، ومحسوبون على اهل اليسار والوجاهة والعافية·· اما اليوم، وبعد ان اختلفت المواضعات الاجتماعية، وثبت طبياً ان الكروش اسرع الوسائل نحو النعوش، فقد انحدرت مكانة المتكرشين في نظر المجتمع، وباتوا محل سخرية واستغراب، وربما اشفاق الاخرين·
وقد فطن الرئيس الشهيد صدام حسين الى هذه الحقيقة، فقاد في عقد الثمانينات من القرن الماضي اوسع "حملة ترشيق" شملت كبار رجال الدولة والجيش والحزب، واسفرت عن اختفاء ملايين الكروش المنتفخة، وانتقال معظم المسؤولين والمواطنين من بدانة الافيال الى رشاقة الغزلان، وكان اشهرهم المناضل الشهيد طه ياسين رمضان الذي تحول بين عشية وضحاها من جذع شجرة جميز الى قوام عمر الشريف·
انظروا في طول الوطن العربي وعرضه، وستجدون ان اصحاب الكروش القبيحة يحيطون بكم من كل جانب، ويتكاثرون يوماً بعد يوم، ويتجاهلون ما تتمنطق به بطونهم من اطواق وطبقات شحمية تعتبر الاخطر بين كل شحوم الجسد، وتتسبب في الاصابة بامراض السكري والعقم وارتفاع الكولسترول وامراض القلب، علاوة على انها تؤثر سلباً على الذكاء لدى الرجال باكثر منه لدى النساء·
للوراثة دورها الكبير في التكرش، فقد اكدت الدراسات العلمية الحديثة ان الكروش بضاعة وراثية يتولاها احد الجينات (يدعى ) الذي يأتي في ثلاث نسخ ويتسبب، علاوة على التكرش، في ضغط الدم والبدانة عند الكبر·· كما بينت الاحصاءات الطبية ان معدل خصر الرجل قد اتسع خلال الثلاثين عاماً الماضية بمقدار سبعة سنتمترات، وهو ما يعني ارتفاع نسبة الخطورة الى مستويات اعلى، ذلك لان المفترض دوماً ان يكون الخصر اضيق من الحوض لدى الانسان، ولكن عندما تتراكم الشحوم على الكبد والطحال والامعاء وجدار البطن تختل هذه المعادلة، ويبرز الكرش على حساب الخصر، وتتهيأ الفرصة لتقاطر العلل والامراض من كل حدب وصوب·
غير ان هذا العامل الوراثي لا يجوز ان يتحول عند المتكرشين الى مشجب لتعليق اخطائهم، ومبرر لتسويغ اندلاق كروشهم، فالارادة هنا اهم وافعل من الوراثة بعدما اثبت الكثير من الرجال المرشحين وراثياً للتكرش، قدراتهم الفائقة على اكتساب الرشاقة، وقهر جيوش التكرش والبدانة، عبر الالتزام بابسط انواع الحمية الغذائية والتمارين الرياضية·· وصدق شكسبير اذ قال : "اجسادنا هي بساتيننا، وارادتنا هي البستاني الذي يعتني بها"·
التكرش، شرط جزائي لثنائية "الطعام والكسل"، فكلما افرط المرء في طعامه وفي كسله، كلما تورط في خطيئة السمنة والتشحم والتكرش، نظراً لان الجسم البشري مصمم اصلاً لتناول القليل من الطعام، مقابل بذل الكثير من الجهد والعمل·· ومن هنا جاء الحديث الشريف : "بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه"، فيما قال الامام علي : "كثرة الطعام تميت القلب، كما تميت الزرع كثرة الماء"·
العمل فريضة بيولوجية محتومة على كل المخلوقات، والتعب مُقدّم على الراحة لانه لولب الحياة، وقد بينت التجارب والاكتشافات الطبية ان نسبة الاموات بفعل التعب، تقل كثيراً جداً عن نسبة الراحلين بفعل الراحة والتخمة والكسل الروحي والبدني·· وها هي دراسة حديثة اجريت على سكان هونج كونج الذين توفوا عن اعمار تربو على 35 عاماً، تكشف ان وسائد الراحة ومقاعد التبطل والكسل قد ادت الى وفاة 6400 شخص في عام 2008 فقط، حيث تبين ان اولئك الراحلين الكسالى لم يكونوا قد زاولوا اية نشاطات بدنية طوال العقد الذي سبق موعد رحيلهم·
المؤسف ان اجتماع الكسل والنهم لدى اهل النفط اليعاربة الذين فاضت الارض عليهم بالذهب دون حاجة الى التعب، ومنحتهم اكداس اللحم والارز والسمن والمعجنات بلا حساب، قد عاد عليهم، ثم على العرب جميعاً، بأقبح الظواهر والعادات، وبافدح المخاطر والاضرار، حيث اضحت البدانة امراً مألوفاً، والتكرش ظاهرة عامة، والاستهلاك بغير انتاج ثقافة شاملة، والكسب بدون تعب مسألة مشروعة بل حتى مطلوبة ومرغوبة ولا تلوث اليد او الضمير·· وما اصدق المثل الانجليزي القائل : "دماغ الكسلان معمل الشيطان"·
يندر ان تجد عربياً من اهل النفط، سواء اكان رجلاً او امرأة او طفلاً، نحيل الجسد ورشيق القوام ومتناسق الاعضاء والقياسات الجسمانية، فالمعظم منهم ينتمي الى عوالم الافيال والدببة، ويتصف بالتشحم والتورم واكتناز الكثير من فوائض اللحم والدهن، ويسكن دشداشة فضفاضة تتستر على ما يعتور الجسد من تشوه وتضخم وترهل وتكرش وانبعاج·· وقد اصاب برنارد شو كبد الحقيقة بهذا الخصوص حين قال : "من الغنى تتولد التخمة، ومن التخمة يتولد الكبر"، وقال ايضاً : "بعض الناس يحفرون قبورهم بأسنانهم"·
في الكثير من المجالات والسياسات، تحول النفط العربي من نعمة الى نقمة، ولعل ظاهرة البدانة والتكرش ان تقع في عداد هذه المجالات النقموية، خصوصاً بعدما تفشت ثقافة التخلف النفطي في سائر ارجاء الوطن العربي، ورأيت الناس يدخلون، بفعل وسائل التمويل والاعلام الخليجية، في هذه الثقافة البدائية زرافات ووحداناً، حتى كادت تنمحي الفواصل والحدود في شأن التكرش القبيح، بين اهل النفط واهل القحط!!
المدهش ان العبد لله كاتب هذا المقال الذي تقطر كلماته عنفاً بحق الكروش، ينتسب بدرجة او اخرى الى حزب المتكرشين !!