أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025


قبل الانتخابات وبعدها

بقلم : ناهض حتر
09-11-2012 11:39 PM
لم أر في التجمعات الجماهيرية العربية والأجنبية المعارضة، أفواها تنفتح على اتساعها مثل أفواه حمزة منصور وعلي أبو السكّر والآخرين من قيادات الإخوان المسلمين. ومع ذلك، فإنهم يصرّون على التنديد بسياسة ' تكميم الأفواه'!
في الأردن توجد العديد من الملفات الكبرى التي يمكن أن تشكّل رافعة سياسية للمعارضة: نهج الخصخصة الكارثي، والفساد الكبير، والعجز المزمن في إدارة الاقتصاد الوطني، والإفقار والبطالة وتهميش المحافظات، وتراجع منظومة التعليم، وانهيار منظومة الخدمات البلدية والبيئة، وجمود السياسة الخارجية، وانعدام الإرادة الدفاعية في مواجهة المشروعات الإسرائيلية... الخ
لكن كل تلك الملفات التي طرح الحراك الأردني عناوينها، وفصّل فيها نشطاء من المثقفين، غابت عن الميدان السياسي للمعارضة الإخوانية وحلفائها، لصالح عنوان وحيد هو إصلاح النظام الانتخابي والتعديلات الدستورية. وعلى الهامش، يمكن، بالطبع، تجميع بضع عشرات للتنديد بزيارة وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، إلى عمّان، أو إلقاء كلمات نارية في خيمة الاعلاميين أو الفنانين ..الخ، أو قطف ثمرة الافراج عن معتقلي الحراك الشعبي من دون الإسهام، فعليا، في تحقيق ذلك الإفراج.
تواجه الدولة الأردنية، اليوم، استحقاقات التجديد الشامل في بناء اقتصاد كفؤ وعادل، أي يتمتع بديناميكية زيادة التشغيل والانتاجية وإعادة توزيع الثروة وإعادة تعريف المسؤوليات الاجتماعية للحكومة المركزية والحكم المحلي. وهي منظومة ترتبط، عضويا، بالبحث مجددا في اتجاهات وتكوين التعليم والتأهيل وتركيبة قوة العمل.
وليس لدى الحكم أية رؤية شمولية للاستجابة لهذه التحديات المصيرية، سوى الإدارة اليومية للأزمة وفق وصفة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي : تخفيض العجز المالي على حساب الأغلبية الشعبية ومنح الرأسماليين الأجانب ووكلائهم المحليين ( الكمبرادور)، المزيد من التسهيلات والنفوذ ونطاقات الاستثمار، بحجة زيادة النمو وتأمين فرص العمل. وهو نموذج فشل تكرارا في بلدنا وفي العالم. ولم يتقدم أي من رجال الدولة ـ باستثناء الدكتور رجائي المعشر ـ برؤية شاملة ومختلفة لبرنامج إصلاح وطني للأزمة المالية العامة والأزمة الهيكلية للاقتصاد المحلي.
بالمقابل، ليس لدى ' المعارضة' الاسلامية والتقليدية سوى الرفض. فلم يتسنّ لي أن أطلع على أية وثيقة معارضة تقدم بديلا شاملا سوى ما أنتجته منظمات جديدة لا يزال صوتها خفيضا من الاشتراكيين والوطنيين الاجتماعيين.
وها نحن نتجه إلى عملية انتخابية تغيب عنها، إلا نادرا ـ البرامج الشمولية. ومن جهة أخرى، يقاطع الإخوان وحلفاؤهم، الانتخابات بسبب رفض مطالب تفصيل النظام الانتخابي على مقاسهم، وعدم استكمال التعديلات الدستورية.
لا يتبادرن إلى الأذهان أننا نرفض المطالبات بنظام انتخابي جديد وتعديلات دستورية أكثر ديمقراطية، ولكننا نطرح، بهذا الصدد، سؤالين:
(1) ألا يُعَدّ إصرار المعارضة الإخوانية وحلفائها على صيغة محددة للنظام الانتخابي تكفل لهم الأغلبية النيابية، الوجهَ الآخر لإصرار الحكم على صيغة تكفل له الأغلبية تلك؟
(2) ألا نريد أن نعرف ـ منذ الآن ـ ما الذي تريد أن تفعله المعارضة الإخوانية وحلفاؤها في الحكم ؟ ما هو برنامجها العياني؟ وكيف يمكنها ـ بالملموس ـ التصدي لاستحقاقات تجديد الدولة الأردنية؟
إن تجاهل هذين السؤالين، يعني أن المعارضة الإخوانية وحلفاءها، تريدون السلطة وليس تطوير الديمقراطية. وهي تريد من المجتمع تفويضا من دون برامج ولا التزامات. وها هو النموذج المصري ماثل أمامنا ، حيث كرّس الإخوان المسلمون حكما سلطويا أحاديا باسم صناديق الاقتراع، يتبنى، مجددا، وصفة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويمنح الأولوية لرجال الأعمال، عدا عن كونه يرسخ نهج التحالف مع واشنطن والصداقة مع إسرائيل.
السلطوية هي نفسها ـ سواء أنشئت عن انقلاب أو تغلّب أو انتخابات ـ بينما البديل الديمقراطي ينبني على عملية سياسية واجتماعية وثقافية شاملة ومتعاضدة، هدفها تكوين الأغلبية الاجتماعية ـ وليس النيابية ـ لتجديد الدولة الوطنية، وضمان استقلالها وازدهارها.

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012