27-08-2010 02:20 AM
كل الاردن -
د.رحيّل غرايبة - الراي
ما يلفت الانتباه العناوين البارزة في الأخبار المحلية التي تتناول أزمة المياه في عجلون وجرش، والمفرق، ومناطق كثيرة في إربد، وكلها تنتظر الحلول، وتعاني من انقطاع طويل ومزمن.
ما يثير الاستغراب ويشكل مفارقة عجيبة أنّ عجلون وجرش، تتميزان بغزارة الغابات، والجبال الدائمة الخضرة، التي تكتسي بأشجار الصنوبر والسنديان والعبهر والبطم على مدار أيام السنة، إضافةً إلى أنّها هي الأعلى في معدلات نزول الأمطار على مستوى المملكة، وتتفجر منها العيون صيفاً وشتاءً، ولذلك تمّ إطلاق اسم «بلدية العيون» على تجمّع القرى من جهة الشمال الغربي من عجلون والتي تتكون من عرجان وباعون وراسون، والتي ينبع منها نهر «الزقيق» الذي يشكل وادي الريان المغطى بأشجار الرمان والتين والزيتون، وتشتد الغرابة إذا علمنا أنّ بلدية العيون من أكثر المناطق التي تعاني من انقطاع المياه، وتعاني من الظمأ والجفاف.
فما هي أسباب المشكلة يا ترى؟
هل هي في عدم القدرة على استثمار غلة المياه في تلك المناطق بطريقة سليمة، وتخلو من التخطيط السليم القادر على تغطية حاجاتها من المياه، أم أنّ هناك نقلا جائرا لهذا المخزون المائي إلى مناطق الاكتظاظ السكاني في المدن الكبيرة في المملكة، والتي ربما تستأثر بالاهتمام المطلق، والنسبة العظمى من المياه على حساب هذه المناطق.
لا يجوز بأيّ حال أن يكون سكان عجلون وجرش، أكثر النّاس حاجة للماء في الوقت الذي تشكل فيه هذه المنطقة أكبر خزان مائي في المملكة، وتشكل أكبر كمية من الحصاد المطري، فالمسألة تحتاج إلى استراتيجية مائية سليمة تعيد التوازن في الحصص، وتعطي أهل المنطقة حقهم الوافي أولاً، وحظهم الذي لا يساوي ما يبدّده أصحاب برك السباحة في ضواحي العاصمة في هذا الصيف القائظ.
إنّ مشكلة المياه الظاهرة في عجلون وجرش ومناطق الشمال، ينبغى أن تشكل فرصة لإعادة النظر في مجمل الخطط والاستراتيجيات المتبعة في خطط التنمية، وتوزيع عوائد الخصخصة على مختلف المحافظات البعيدة، والمناطق التي تعاني من الحرمان بكل أشكاله وألوانه المتعددة.
إنّ حظ عجلون وجرش والكورة من مياه الشرب، يمثل صورة واقعية ويعطي نموذجاً عن حظها في بقية المجالات من الخدمات.
ومن مظاهر المقارنة الأخرى أنّ هذه المناطق يمتاز سكانها بالإقبال على التعليم، والتنافس الشديد في الحصول على الشهادات، رغم الفقر وشظف العيش وانخفاض مستوى الدخل، والذين يعتمدون في أغلبيتهم العظمى على الوظائف الحكومية والعسكرية.
هذه المناطق التي تشكل الصورة الأجمل والأبهى من حيث غاباتها وجبالها الخضراء، والتي تشكل متنفساً لمعظم سكان العاصمة والمدن الكبيرة تحتاج إلى إعادة النظر في التخطيط الاستراتيجي لمستقبلها، وتأهيل أبنائها، لتكون قادرة على الإسهام في تحقيق مردود أعلى في الدخل القومي، وأول ما تحتاجه البُنَى الأساسية في الطرق والمياه وشبكات الصرف الصحي، والخدمات الصحية، إضافة إلى إقامة المؤسسات الحرفية، وإنشاء المصانع المناسبة للبيئة وتأهيل السكان عن طريق تمويل المشاريع الصغيرة، لرفع مستوى المعيشة، وإنشاء جامعة حكومية كاملة وشاملة لجميع التخصصات.
وهناك جزء من المسؤولية يقع على عاتق السكان المحليين، وخاصة تلك الفئة المثقفة والواعية التي ينبغي أن تفكر في إنشاء المؤسسات الفاعلة، واللجان المتخصصة لرعاية شؤون المنطقة وخدمة الجيل القادم والتعاون مع الجهات الرسمية في التخطيط والنصيحة، ومن أجل الوصول إلى تحقيق فلسفة المشاركة من أجل إقناع أصحاب القرار وأصحاب المسؤولية بطرق العلاج الصحيح لما تعانيه المنطقة وأهلها من مشاكل وعوائق مزمنة.
rohileghrb@yahoo.com
(الرأي)