|
|
استدراك أخير
بقلم : ناهض حتر
12-11-2012 11:32 PM أوشكت حكومة الدكتور عبدالله النسور على اتخاذ قرارها بتحرير أسعار الطاقة. هل القرار ضروري إلى هذا الحد؟ كلا. فالمبالغ التي يمكن توفيرها جراء تطبيق القرار، يمكن تعويضها من تجميد بنود 'أخرى' في الموازنة العامة، أو يمكن استيفاؤها من فرض رسوم على المقيمين. إلى ذلك، سوف تدفع الخزينة تعويضات للمواطنين تقدر بـ350 مليون دينار، ولسوف تذهب هدرا، أولا، لأن التضخّم سيأكل هذه المبالغ، وثانيا، لأن التعويضات المدفوعة فورا ومرة واحدة، سوف تفاقم التضخّم من جهة، وسوف يتم، من جهة أخرى، إنفاقها من قبل الأُسر، بوصفها معونة عاجلة يتم استخدامها لتغطية ألف باب وباب من الاحتياجات الأسرية، اللازمة والاستهلاكية. ولن تمضي بضعة أسابيع حتى تكون الأغلبية الشعبية في مواجهة صعبة مع متوالية ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات. وعندها سوف تُطرَح المشكلة من جديد. وسيكون الضغط الشعبي من القوة بحيث تكون الحكومة أمام حلين : تقديم المزيد من التعويضات أو المواجهة الأمنية مع المجتمع، عشية الانتخابات النيابية. القرار غير ضروري إذاً، وخاطئ تماما؛ ذلك أن المعالجة الواقعية الفعالة لأزمة المالية العامة ( المديونية والعجز) ليست ممكنة إلا في إطار حزمة من السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية البديلة، سبق لنا أن وضّحنا جوانب عديدة منها. ولكن تركيزنا اليوم ينصبّ على النظر في الآثار السلبية للقرار المالي الحكومي المنتظر وتداعياته ، على النجاح السياسي للانتخابات النيابية المقبلة. الانتخابات، بحدّ ذاتها، ضرورة للدولة الأردنية في مواجهة تفاعلات إقليمية ودولية معقدة. وتقتضي العقلانية عدم الاصطدام مع هذه الضرورة، بأيّ ثمن. ولا يوجد ما يجعلنا نتأكد من أن قرار تحرير أسعار الطاقة الآن، لن يؤدي إلى تخريب الانتخابات وتجريف صدقيتها. لا نتوجّه اليوم ، في هذا الاستدراك الأخير، إلى مجموعة القرار الاقتصادي، فهي تنتمي إلى مدرسة الليبرالية الجديدة المتوحشة وتتسم بضيق الأفق السياسي وتعاني من 'متلازمة العزلة والحاسوب'. ولا نتوجه إلى الدكتور النسور. فهو معني اليوم بالبرهنة على كونه رئيسا قادرا على تنفيذ خطط وقرارات الليبراليين الجدد، بامتثالية كاملة. وإنما نتوجه إلى من يهمه الأمر من وجهة نظر المصالح الوطنية العليا للبلاد: لا يجوز القيام بأي إجراءات الآن من شأنها تخريب العملية السياسية والانتخابية، بينما يواجه الأردن مخاطر الإرهاب والفوضى والحرب على الجبهة الشمالية، ومخاطر الكونفدرالية والفدرالية ( أي الوطن البديل) على الجبهة الغربية، ومخاطر القطيعة، جنوبا وشرقا. نحن في وضع جيوسياسي حساس للغاية، لا يحتمل حسابات الليبراليين الجدد، ولا يحتمل المغامرات ولا الفهلوة السياسية. وعلى المعنيين بالأمن الوطني الأردني التدخل لوقف الاجراءات وتصويب المسار نحو محور وحيد: كل الجهود لإنجاح الانتخابات. وهي لن تنجح من دون توفر الإرادة السياسية في الدولة للتوصل إلى برلمان ذي صدقية، تنبثق عنه حكومة برلمانية ـ تفصلنا عنها ثلاثة أشهر لا غير ـ وعندها سيكون من واجب تلك الحكومة المأمولة أن تواجه أزمة المالية العامة فورا بحزمة سياسات وإجراءات. كيف تتبلور تلك الحزمة؟ في النقاشات والمناظرات بين التيارات والمترشحين حول سؤال مركزي: كيف نواجه الأزمة؟ عندها سيكون للحملة الانتخابية معنى جدي وجديد يبث الحيوية في مجمل العملية السياسية.
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|