21-08-2010 02:05 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
ما نسمعه أو نقرؤه في بعض وسائل اعلامنا العربية من انتقادات للحكومات وللسياسات العامة في يوم واحد ، يعادل - او اكثر ربما - ما سمعناه في سنوات ابان كان الاعلام يتحرك باشارة من اصبع مسؤول ، لكن هل يعني ذلك ان مجتمعاتنا تمارس حريتها في التعبير والتفكير ، وتشارك في رسم السياسات والقرارات ، وهل يعني - ايضا - ان اعلامنا قد استعاد عافيته ، أم ان هذه الحريات تقتصر على الكلام لغايات التنفيس - او حتى - "التخميش" وتتعلق بقضايا محددة وسقوف محسوبة وأوقات معينة ، فيما الافعال وما يتعلق بها من مشاركة وتأثير تنزوي في مكان محفوظ لها ، ويتمتع اصحابها بحرية "التطنيش" لكل ما يصلهم من اسئلة ورسائل؟،
لنعترف ان فقه الحريات قد ازدهر في بلادنا العربية ، وان الاختلاف بينها في هذا الازدهار ليس في النوع وانما في الدرجة فقط ، لكن ما هي الحريات التي ازدهرت ، وهل هي صحيحة ومنتجة وحقيقية أم مغشوشة واستهلاكية ومقلدة؟
لو قدر لي أن اجيب على هذا السؤال لقلت بأن ثمة عشرة انواع من الحريات يمكن رصدها في هذا المجال ، وهي تندرج في باب الشين ، فصل التاء(،) وتتوزع بين حريات يمارسها الانسان العربي - على مختلف مواقعه - وبين اخرى يمارسها المسؤول العربي - على حسب درجته الوظيفية ، على صعيد الانسان العربي ثمة نوع اسمه حرية "التحميش" وهذه الحرية يمارسها بعض الناخبين أو المحتجين ، ونوع ثان هو حرية التلطيش يمارسها بعض المنتقدين ، وثالث هو حرية "التشويش" ، ورابع هو حرية "التفشيش" وخامس هو حرية التحشيش التي تندرج في باب النكتة غير البريئة.
هذه الحريات كلها تدخل في اطار "الاحتجاج" الناعم ، وتسمح للمواطن أن يعبر عن رأيه دون ان يتحمل اية مسؤولية أو يترتب عليه سؤال او محاسبة ، وهي - كما قلنا - تندرج في باب "الكلام المباح" الذي يريح مرسله ومستقله معا ، وتظل دائما تحت "السيطرة" وتساهم في تحسين الصورة دون ان تغير من الواقع شيئا.
على الطرف الآخر ، ثمة خمسة انواع من الحريات التي يمارسها المسؤول العربي ، ابرزها حرية "التطنيش" ، وحرية "التهميش" وحرية "الترميش" وحرية "التفشيش" وحرية "التحريش".
وهذه تختلف تبعا للمناخات الاجتماعية والسياسية ، والاهداف المطلوب تحقيقها ، والجهات او الاشخاص المقصودين ، لكن القاسم المشترك بينها هو اعتمادها على منطق الاستعلاء وعدم الاكتراث ، وقدرتها على التعامل مع "الحريات" المقابلة بذكاء احيانا ، باعتبار انها حريات لفظية غير عملية ، ومؤقتة غير دائمة ، ومطلوبة احيانا اخرى.
في بلادنا العربية ثمة حرية سؤال تقابلها حرية اهمال ، وحرية اقوال تقابلها حرية افعال ، وحرية تشويش تقابلها حرية تغشيش ، وحرية تحميش تقابلها حرية تفشيش.. وهكذا وعليه فالجميع راضون بالقسمة ، ومطمئنون الى هذا الفقه الجديد ، وسعيدون بأنهم يسألون وغيرهم لا يجيب.
(الدستور)