حين يتحدث الكبار ، يرون أمامهم أبوابا كثيرة للفرج
المستقبلي ، لا يراها الزاحف على بطنه ، الذي لا يرى غير رؤوس الأحذية ، فيحسبها
صواريخ موجهة أو سفنا فضائية تستعد للانقضاض عليه ، ذلك أن "الكبير" مشرف
على الصورة الكلية ، وينظر إليها من أعلى ، ويحلل الأمور بنفسية فيها كبرياء
وعنفوان ، يفتقدهما المهزوم والمأزوم،
قبل أن أزور بيروت وألتقي السيد حسن نصر الله ، قبل
أعوام مضت ، كنت كلما شعرت بانكسار ، أدير جهاز التحكم على قناة "المنار"
، لأرى ما لا أراه في بقية القنوات العربية ، ليس لأسمع فقط لفظ "شهيد" يسبق
أسماء الضحايا الفلسطينيين ، الذين يسمونهم "قتلى" في بقية القنوات ، بل
لأستمتع بمشاهد المقاومة والتحدي التي لا تهتم بها كثيرا بقية القنوات ، ولم أكن
أعرف أن وراء هذا الاهتمام من "المنار" بمثل هذه المشاهد ، رؤية إعلامية
متكاملة يتبناها السيد نصر الله أمين عام حزب الله ، بغض النظر عن شيعيته ،
وسنيتنا،
قبل فترة طويلة ، نشرت صحيفة "الدستور" تقريرا
موسعا عن معنويات الجنود الأمريكيين في بغداد ، تحدث بحرقة عن حاجة الميديا
الأمريكية الملحة لمشهد "انتصار" لرفع معنويات الجنود والشعب الأمريكي ،
ولبثه في موازاة مشاهد الجنود الأمريكيين المقهورين المتعبين ، الذين يشهرون
بنادقهم بذعر في وجوه الأطفال والنساء ، في مداهماتهم الليلية لبيوت المواطنين العراقيين
، وكي يحدث شيئا من التوازن مع منظر العراقيين المحتفلين في الشوارع بعد كل عملية
للمقاومة ، وقد تم لهم مثل هذا الأمر على غير صعيد،
في المشهد الفلسطيني ، ثمة وفرة في مشاهد المقاومة
والانتصار ، لكن شاشتنا العربية ، ربما باستثناء المنار ، لا تهتم كثيرا بإبرازها
والتشديد عليها ، من هنا حين تحدث السيد نصر الله ، آنذاك ، لفت نظر الإعلاميين
العرب والمسلمين الذين حضروا مؤتمرا كان مخصصا لدعم الانتفاضة (أيام كانت هناك
انتفاضات،) إلى أهمية إبراز صورة الفلسطيني المظلوم بجانب الفلسطيني المقاوم ،
محذرا من خطورة التركيز على صورة "المظلومية" على حساب "المقاومة"
، أو الضحية على حساب البطل ، وهو برؤيته هذه يلامس أرفع معايير التقنية الإعلامية
الحديثة ، التي تجهد العقلية الإعلامية الأمريكية في الوصول إلى تخومها ، كجزء من
الحرب التي يشنها إعلامهم ضدنا ، ونتلقاها نحن ببلاهة ، ونسارع لبث كل ما تقذفه في
وجوهنا وكالات أنبائهم ، دونما إعادة إنتاج لتتفق مع كوننا الجهة المحارَبة،،
الفلسطيني ، والعربي عموما ، ليس ضحية فحسب ، بل هو
مقاوم ومناجز ، وغير ممتثل للذل والاحتلال ، ولئن أفادت صورته كضحية ومظلوم في
استدرار عطف الآخرين ، فلا بد من حضور صورته كمهاجم ومُوقع للأذى في صفوف العدو ،
لشحذ الهمم وبعث الأمل في نفوس الناس ، في مواجهة النادبين الدائمين لهذه الأمة ،
الناعقين بالخراب أبدا ، والمتخصصين في نعيها وإعلان موتها كل يوم،،
في رمضان ، كم نحن بحاجة لمشاهدة البطولة والأبطال ، لا
الهزيمة والإنكسار واليأس والجواسيس ، والتعاون الأمني ، ومحاصرة مساجد فلسطين
بأيدي أبنائها ، أو من يدعون هذه البنوة العاقة،،
hilmias@gmail.com
التعليقات
لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .