|
|
3 ملاحظات على هبة تشرين
بقلم : ناهض حتر
17-11-2012 11:28 PM الملاحظة الأولى أن القضية المركزية التي تُلهم الشعب الأردني، وتدفعه إلى التحرك الجماعي الحيوي، هي القضية الاجتماعية. نشأ في الأردن، خلال العقد الأخير، اقتصاد يفتقر إلى العدل والعقلانية الوطنية الاجتماعية في آن؛ اقتصاد سوق مفتوح من النمط المتوحش، أخضع موارد الدولة ـ بصورة قانونية وغير قانونية ـ لشبكة طبقية من الرأسماليين المحليين والأجانب والوسطاء التجاريين وأساطين المال والنفوذ. وبينما تضاءلت قدرة الفئات المتوسطة على المنافسة مع الحيتان، وانحدرت الفئات الشعبية إلى الفقر المدقع، تفاقمت المديونية العامة، وتعمق العجز، وأفلست خزينة الدولة، ولم تعد قادرة على إدارة الاقتصاد والمجتمع. قصة الدعم لم تعد ترتبط ، منذ 1989، بالنمط الريعي كما يتوهّم البعض، بل بمحاولة إدارة معادلة بالغة القسوة هي أن المواطن الأردني يحصل على دخله وفق حسابات محلية، بينما أسعار السلع والخدمات أصبحت، جراء تحرير السوق، مقوّمة بالحسابات العالمية. هنا يأتي الدعم، كضرورة لإدامة قدرة الاقتصاد نفسه على العمل ومداراة الانفجار الاجتماعي. لكن هذه المعادلة لا يمكن استمرارها إلا بتوفر المساعدات الأجنبية. والأخيرة تخضع للمتغيرات السياسية. بالأساس، لا حاجة لدعم السلع والخدمات، (1) إذا كان الاقتصاد وطنيا وإدارته مخططة على سوق مضبوطة، (2) أو إذا كان العاملون يتقاضون رواتبهم ـ كما مشترواتهم ـ مقوّمة بالحساب العالمي. والفشل في تحقيق أي من البديلين هو فشل في السياسات والإدارة. والاعتراف الصريح بالفشل هو المطلوب اليوم لافتتاح ورشة البديل الاقتصادي الاجتماعي وإقراره. من دون ذلك، سيظلّ الأردن يعيش أزمات سياسية وأمنية متلاحقة ومتصاعدة. هبة تشرين أسقطت الليبرالية الجديدة، نهجا وإدارة، سياسيا ومعنويا، ولم يعد ممكنا استمرارها إلا بالقوة والعنف، ما يستولد القوة والعنف في المجتمع، ويهدد الدولة. الملاحظة الثانية هي أن ما لحق بنهج الحكم وإدارته، لحق، أيضا، بنهج المعارضة وإدارتها للصراع السياسي. لاحظوا أن هبة تشرين عفوية. وهي لم تقم للمطالبة بتغيير قانون الانتخابات، ولم تتعاط مع برنامج 'الإخوان' أو سواهم من المعارضات الليبرالية. وقد أحرجت الهبة هؤلاء كما أحرجت الحكم؛ بل هي انطلقت، موضوعيا، ضد برنامجهم السياسي. طبعا، حاول المعارضون الإفادة من الهبة، لكنهم تراجعوا عنها، وارتعبوا من جذريتها الاجتماعية. هبّة تشرين أطاحت بثنائية الحكم ـ الإخوان. وهو ما يفتح الطريق أمام تفاهم ثنائي بين الخاسرَين. الملاحظة الثالثة هي أن هبة تشرين أظهرت الوحدة الصلبة للشعب الأردني؛ وحدة اصطفافه الطبقي ووحدة مزاجه وشعاراته وتوجهاته السياسية، في الجنوب والوسط والشمال، في الريف والبادية، وفي المدن والمخيمات. وليست مشاركة الأردنيين من أصل فلسطيني، لأول مرة، في هبة محلية هي الملاحظة الأبرز، بل منحهم الأولوية للقضية الاجتماعية الوطنية، حتى في عز العدوان على غزة! يعني ذلك أننا في مواجهة نموّ غير مسبوق للاندماج الوطني. هنا، بالذات، خسرت ثنائية الحكم ـ الإخوان، قاعدتها القائمة على الانقسام العمودي، وفتح التاريخُ، البابَ، أمام ولادة الحركة الوطنية الاجتماعية الموحدة القادرة على تجديد الدولة الأردنية لصالح الأغلبية الشعبية.
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|