|
|
أجندة عبدالله النسور
بقلم : ناهض حتر
19-11-2012 11:19 PM ملأ الدكتور عبدالله النسور، الفراغ الحكومي والسياسي والإعلامي. وهو يمتلئ، الآن، بأحاسيس واندفاع ' البطل' الذي يخوض معركة فاصلة في القرار والعناد والهراوات والاعتقالات والشاشات؛ يستعيد نمطا غائبا لرئيس الوزراء ، صاحب الولاية العامة! وفي واحدة من فورات الشعور المضخّم بالذات، حيّد القصر، وتحمّل ، وحده، المسؤولية وأعلن أنه أقوى من المخابرات، بل إنه شبّه نفسه بالشهيد القائد وصفي التل. وهو تشبّهٌ صحيح ومضحك في آن معا. فقد جاء النسور ـ كما جاء التل ـ إلى الرئاسة في لحظة فريدة من توازن القوى المحلية والاقليمية، هي لحظة فراغ، أوجدت الحاجة الملحة إلى رجل يتجرأ على القرار، ويتصلّب في الدفاع عنه. لكن السؤال الجوهري، هنا، هو لمصلحة مَن؟ كان وصفي التل، كسياسي صاعد، مهيأ لدوره ولحظته التاريخية ببرنامج وطني اجتماعي شامل. وهو لم يأت إلى الحكم بالمصادفة، بل جاء ممثلا لمصالح أبناء الحرّاثين في سياق عملية سياسية أصيلة. ولذلك، فقد بدأ عهده بتوجيه ضربة شاملة ومتزامنة للطبقة شبه الاقطاعية وللفاسدين والفساد، والافراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة ادماجهم في الإدارة العامة، وجَمْع شمل البلد، لكي يبدأ بتنفيذ برنامجه لصالح الدولة الوطنية ولصالح الفقراء وأبناء المحافظات، وتوسيع آفاق التطور أمام الطبقة الوسطى في عملية عمادها الشروع في بناء قطاع عام حديث ومسيطر في المجالين الخدمي والاقتصادي. ولا أريد أن أكرر، هنا، كتاباتي حول مشروع التل في الستينيات، لكنني أوجز فأقول إنه مارس الولاية العامة من أجل الشعب وليس ضد الشعب، ومارس الحزم والعزم والعناد داخل الدولة ليوحّدها ويحدّثها ويفعّل دورها الاجتماعي، لا ليضعها في مواجهة المواطنين. (وسأذكر، هنا، للمفارقة فقط أن واحدا من قرارات حكومة التل الأولى، كان تخفيض ـ وليس زيادة ـ أسعار المشتقات النفطية.) عبدالله النسور، بالمقابل، جاء بالمصادفة. وجاء على رأس حكومة مكررة مؤقتة مهمتها واحدة وحيدة هي إجراء انتخابات نيابية ناجحة. لكنه ما إنْ تسلّل إلى الدوار الرابع، حتى وجد الفراغ مغريا له بالانقضاض على الدور وتأمين عمر مديد لحكومته. ووسط التردد السابق في التعاطي مع شروط صندوق النقد الدولي، قرر الامتثال لها، والمضي في طريق ليس هو الطريق الوحيد المتاح، لكنه الأسهل للحصول على الدعم السياسي الخارجي، فذهب نحو الامتثال لشروط 'الصندوق' في أسوأ تطبيقاتها الممكنة وفقا لاستشارة وزراء الليبرالية الجديدة. كسب النسور الجولة الأولى ضد أطراف الدولة، وظهر باعتباره الرجل القوي فيها. ورغم أنه يقول بمسؤوليته الفردية عن القرار الذي فجّر الاحتجاجات، إلا أن الذي تضرر سياسيا من تلك الاحتجاجات، كان النظام وليس النسور. وكسب النسور الجولة ضد الانتخابات. فالعملية الانتخابية التي كانت شهدت بدايات إيجابية من التفاعل، تصدعت جراء التطورات التي أحدثها 'رئيس الانتخابات' بالذات؛ لم يعد مؤكدا بأنها ستجري، وإذا جرت.. فستكون باهتة وينتج عنها برلمان ضعيف. وفي الحالتين، سيكون النسور راكم باتجاه البقاء في الدوار الرابع، فترة قد تطول حتى تنتهي حالة التردد في القرار وما يتبعها من فراغ سياسي. يصنع النسور مستقبله المتأخر على حساب النظام والدولة والمجتمع. وهو يواجه تحدي الجماهير بأمان؛ إذا ربح الجولة سيقدم نفسه كسوبرمان، وإذا خسرها، فالكلفة السياسية للمواجهات والاعتقالات والتطورات، لا يدفعها النسور، بل النظام .
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|