أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025


مجرد هدنة

بقلم : ناهض حتر
20-11-2012 11:37 PM
فوجئ الإخوان المسلمون بالارتفاع الحادّ في سقوف شعارات الحراك الشعبي؛ ربما سُرّوا ابتداءً، لكنهم سرعان ما عادوا إلى قراءة المشهد بمنظار أكثر حصافة وواقعية. فبالنسبة إليهم ـ ورغم أنهم يعلنون بأنهم يسيرون مع الخط السياسي الشعبي، لا أمامه ولا وراءه ـ هناك ثلاث مشاكل أساسية، أولا أنهم لا يتبنون في الواقع إلا شعاراتهم المحسوبة مداخلها ومخارجها، وثانيا أنهم غير جاهزين داخليا للتصعيد، وثالثا أن الظروف الإقليمية غير مواتية.
في السابق، كان 'الإخوان' يسعدون بالشعارات المرتفعة السقف، طالما أنها محدودة الانتشار، وتنطلق على هامش الحراك لا في صلبه. كانوا يستخدمونها: يلوّحون بها من دون أن يتحمّلوا المسؤولية عنها، أما أن تنتقل تلك الشعارات من الهامش إلى المركز، فهذه مغامرة؛ كمن يلوّح، للتخويف، بشعلة نار صغيرة، فإذا بها تشبّ في حريق.
يواصل 'الإخوان' التبرؤ من الشعارات النارية، مؤكدين، مرة بعد مرة، أنهم ثابتون على شعارهم المركزي، وهو ' إصلاح النظام'، بل إنهم يتقدمون الحملة التي تؤكد أن الشعارات المتطرفة ليست من صنع الشعب، بل من صنع أقلية هامشية.
في الحملة نفسها، انخرط 'نشطاء' وكتّاب عديدون ومستشارون ومتطوعون من شتى التيارات والمنابر. ولا يتوقف هؤلاء ، فقط ، عند استنكار الشعارات المعنية، بل إنهم يؤكدون، بدورهم، أنها هامشية أو أنها مجرد تعبير عن الغضب أو شيء كهذا. المهم أننا نصادف، في كل مظانّ النخب، الميل إلى طيّ الصفحة وإنكار حدوثها.
يمكن شنّ حملة مضادة للتطرّف السياسي وللعنف، بوسائل حوارية تكشف مخاطرهما. لكن إنكارهما يشكّل مسكّنا مؤقتا ومغشوشا؛ فالحقيقة هي أن الكتلة الشعبية الأساسية المتحركة من أقصى البلاد إلى أقصاها، قد تبنّت، بصورة عفوية ومن دون محرضين، شعارات المجموعات المتطرفة الهامشية، وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت ليلة الغضب الكبرى في أربعاء زيادة أسعار المحروقات، وجود ميل، عفوي أيضا، نحو العنف على هامش الحراك الشعبي وفي متنه معا.
بين الإنكار السياسي والإعلامي والمعالجة الأمنية، تنتقل البلاد إلى مرحلة سياسية جديدة من دون مرجعيات، وتتصدّع الحياة السياسية، ويختفي الحوار، وتنطفئ شعلة الانتخابات، بينما يواصل الحراك الشعبي نشاطاته الميدانية، أقلّ زخما ولكن بثبات واستمرارية، وبدلا من الفعاليات الأسبوعية، جرى الانتقال إلى الفعاليات اليومية، خصوصا المسائية.
ومع الإنكار والاعتقالات والمحاكمات، تفقد النخب السياسية من كل التيارات، نفوذها في الحراكات الشعبية، وتنفتح الاحتمالات من دون ضوابط، خصوصا وأننا ما نزال في أول الطريق؛ فالآثار التضخمية المترتبة على زيادة أسعار المحروقات، ما تزال قيد التفاعل، وهي تزيد الضغط، يوميا، على كاهل الأُسَر، وتشحن الناس بالغضب، علما بأننا بانتظار المزيد من محطات إزالة الدعم.. فعلى الطاولة الآن، الكهرباء والمياه.
لا يغترنّ أحدٌ بالتهدئة، فقد دخل الأردن مرحلة الاضطرابات الاجتماعية السياسية المفتوحة الاحتمالات، وعلى قوى الدولة والنخب الوطنية، التدخل بقوة للإفادة من فترة الهدنة للتفاهم على بديل استراتيجي أصبح معروف المحتوى؛ محاكمة شاملة ومتزامنة لكل ملفات الفساد والفاسدين، والتراجع عن نهج الاقتصاد الليبرالي والخصخصة، والشروع في خطة تنموية في المحافظات بعقول وسواعد أبنائها، واقرار سياسة خارجية جديدة تنفتح على الإمكانات الخصبة للعلاقات مع العراق وايران وروسيا والصين.

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012