أضف إلى المفضلة
الخميس , 16 كانون الثاني/يناير 2025
الخميس , 16 كانون الثاني/يناير 2025


الوصول إلى السلطة ليس انتصاراً

بقلم : د. رحيّل غرايبة
08-12-2012 11:46 PM
لا أعتبر أن وصول الاسلاميين إلى السلطة يمثل انتصاراً حقيقياً لهم، والمشاركة في السلطة ليست هدفاً أصيلاً قامت الحركات الاسلامية من أجله بل هي لا تتعدى كونها وسيلة تساعد على إحداث التغيير الاجتماعي المطلوب، ومن يعتقد بغير ذلك فهو واهم ولا يفقه الغايات الأساسيّة التي قامت من أجلها الحركات الاسلامية وخاصة 'جماعة الاخوان المسلمين'، التي تعد أكبر الحركات الاسلامية وأوسعها أثراً وجمهوراً في الوقت الحاضر وتمثل القاعدة الحقيقية للنشطاء الاسلاميين في المجتمعات العربية والإسلامية.
حركة الاخوان المسلمين هي امتداد لحركات الإحياء الحضاري للأمة، منذ مطلع القرن الماضي، وهي تعتمد منهج البناء والتربية للمجتمع الإسلامي، وتحاول جاهدة إعادة صياغة الانسان العربي المسلم عقلاً ووجداناً وروحاً، من أجل الاسهام الفاعل في بناء مجتمع قوي، متمسك بهويته الثقافية ويحمل رسالته السامية، ويبشر بمشروعه الانساني الكبير، ويستمد قوته من الفكرة والمنهجية العلمية السليمة، والمرجعية القيمية النبيلة، والعقلية المنفتحة البعيدة عن التعصب والانغلاق والتقليد.
حركة الاخوان المسلمين كما أرادها مؤسسها عبارة عن قوة اجتماعية محركة، تنهض بالمجتمع نحو آفاق التحضر والبناء الذاتي، والتماسك الاجتماعي القائم على معاني الفضيلة والأخلاق العالية، التي توجه سير المجتمع نحو الطريق الصحيح على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعلمية، وتريد للمجتمع كله أن يكون مشاركاً في بناء دولته وتقرير مصيره وحماية مقدراته، وصيانة أرضه وحدوده ومقدساته، بحيث يكون كل فرد فيه مسؤولاً وغفيراً، وعلى ثغرة مهمة، ويستطيع حماية ثغرته والقيام بمسؤوليته بنجاح.
من ثمرات هذا المنهج أن نصل بالمجتمع والشعب إلى اتقان إدارة نفسه بنفسه، وأن يحسن الاختيار والفرز والمراقبة والمحاسبة للمسؤولين وأصحاب القرار، بمعنى أن يكون حسن الاختيار وصوابيته ثمرة للنهوض المجتمعي الكبير، ومن أجل هذا يرفض فكر الحركة الاسلامية الوصول إلى الانقلابي إلى السلطة، ويرفض منطق الصفقات على حساب المبادئ والقيم، ويتم الاستشهاد على ذلك بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم رفض أخذ السلطة والزعامة في قريش كثمن للتخلي عن دعوته ورسالته، وأراد أن يصبح المجتمع كله بعد التغيير حراً غير مقهور، وقادرا على الاختيار السليم البعيد عن كل معاني الاكراه وألوان الفساد.
ليس المقصود من كل ما سبق أن لا يعمل الاسلاميون في المجال السياسي وأن لا يكونوا في السلطة ومراكز صنع القرار، وإنما أردت أن يتم توضيح الهدف بدقة حسب الصياغة التالية:- تهدف الحركة الاسلامية إلى احداث تغيير ايجابي في المجتمع يصل إلى تمكين الشعب من اختيار حكوماته وزعمائه، وليس شرطاً أن يكون هذا الاختيار محصوراً بهم، وإنما يجب أن تُهيّأ الفرصة لاختيار الأصلح والأفضل والأكثر قوة وأمانة، وقد يقع الاختيار على واحد منهم، وقد يقع على واحد من غيرهم فالأمر سيّان، المهم والأكثر أهمية أن يكون الاختيار صحيحاً.
عندما ندرك هذه الحقيقة بدقة، يصبح المجتمع كله ملتفاً حول اختيار الشعب، ويصبح جميع أفراد المجتمع مشاركين في تحمل المسؤولية، حيث ينبغي ابعاد 'موقع المسوؤلية' عن كونه هدفاً للصراع بين القوى السياسية، أو أن يكون من جملة المكاسب التي تكون محلاً للتنافس بين الأفراد والجماعات والأحزاب.
مؤشر انتصار الجماعة الحقيقي ينجلي في التفاف المجتمعات العربية والإسلامية حول مشروع الأمة الحضاري الاسلامي الكبير، وتمسك الجماهير بهويتها الثقافية ومرجعيتها القيمية السامية ومبادئ الاسلام العظيم، والمؤشر الآخر على انتصار الحركة الاسلامية أن تتمتع المجتمعات العربية الاسلامية بالحرية الكافية التي تؤهلها للاختيار والمراقبة والمحاسبة لأصحاب المسؤولية والقرار، ويجب أن نرسي معاني الرضا الجماعي العام بمبدأ الاختيار الحر ونتائجه والرضا الجماعي العام بمبدأ سيادة الشعب التي تمثلها صناديق الاقتراع النزيهة.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
09-12-2012 10:11 AM

الأخ الكاتب الكبير الدكتور رحيّل الغرايبة , لك التحية

أسعدني جداً العنوان ...
ولكنني أتمنى أنْ يكون معنى ومضمون المقال صحيحاً مليون بالمائة .
أقول هذا يا سيدي لأننـا في زمن " التُقية "
أقول هذا يا سيدي لأننـا في زمن نبشنا كتاب الأمير لميكيافيللي ونفضنا عنه أطنان الغبار ,,
أقول هذا يا سيدي وأنا أرى كيف استُبيحت تونس ومن يتولّاها الآن وباسم أي توجه ,,,
أقول ذلك وأخشى أن يكون القادم هو الأسوأ وأنا أرى ما يدور في مصر " المرسية " وما يمثله من مباديء ,

أقول ذلك وفي ذات اللحظة تتقافز أمامي كالشياطين والسعادين أهوال المجازر التي تجري في سوريا من أجل الكرسي ,

يا سيدي الفاضل قُلتُ ما ورد أعلاه بسبب الفقرة التالية من مقالك :-

" حركة الاخوان المسلمين هي امتداد لحركات الإحياء الحضاري للأمة، منذ مطلع القرن الماضي، وهي تعتمد منهج البناء والتربية للمجتمع الإسلامي، وتحاول جاهدة إعادة صياغة الانسان العربي المسلم عقلاً ووجداناً وروحاً، من أجل الاسهام الفاعل في بناء مجتمع قوي، متمسك بهويته الثقافية ويحمل رسالته السامية، ويبشر بمشروعه الانساني الكبير، ويستمد قوته من الفكرة والمنهجية العلمية السليمة، والمرجعية القيمية النبيلة، والعقلية المنفتحة البعيدة عن التعصب والانغلاق والتقليد.
حركة الاخوان المسلمين كما أرادها مؤسسها عبارة عن قوة اجتماعية ... الخ "
فبالله يا سيدي كيف ترى أنّ حركة ستسطيع القيام بشيء بسيط من تلك الأهداف < بدون الوصول للسلطة > .
وهنا تكمن مُفارقة التُقية !!!

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012