أضف إلى المفضلة
الخميس , 16 كانون الثاني/يناير 2025
الخميس , 16 كانون الثاني/يناير 2025


عدوى الانقسام وجناية النخب!!

بقلم : حسين الرواشدة
25-12-2012 01:24 AM
بدأت حالة الانقسام على الاستفتاء في مصر من منابر الإعلام وشاشاته ثم انتقلت الى المجتمع، لكن نتائج الاستفتاء كشفت ان هذا الانقسام مغشوش بامتياز، وان ما حدث لم يكن الا صراعا بين «النخب» التي وظفت الشارع لحسم معاركها السياسية دون اي اعتبار لسلامة البلد واهداف الثورة وحاجة الناس الى الاستقرار.

اغلبية الناس التي ذهبت للصناديق قالت: نعم للدستور، والاقلية «نحو 35%» قالوا: لا، وهذه مسألة طبيعية تعكس روح الديمقراطية التي خرج المصريون للمطالبة بها، لكن ما حدث في صناديق «الشاشات» حيث تصدّر المعارضون المشهد بأصواتهم العالية كان شيئا آخر، فقد نجح هؤلاء في «ايهامنا» بان قوتهم في الاعلام تعكس وزنهم على الارض، وبأن «نضالهم» لاسقاط الرئيس والدستور معا هو امتثال لرأي الاغلبية ودفاع عن «الصامتين» و»المخدوعين» من الشعب، وكأن الشعب –بالطبع- فوّضهم بالوصاية عليه، او كأنه لم يبلغ –بعد- سن الرشد ليتخذ قراره بنفسه.

حالة الانقسام -اذن- هي جناية النخب، والجراحات والتهشمات التي اصابت صورة المجتمع المصري لم تكن سوى جزء من «ارتدادات» الصراع الذي احتدم بين «سياسيين» واعلاميين اسقطوا خلافاتهم وعقدهم على «الناس» وانشغلوا بمصالحهم على حساب مصلحة الشعب.

جناية «النخب» لا تتعلق بهؤلاء المحسوبين على خط اليسار فقط، وانما تتعلق «بالاسلاميين» ايضا، فقد اخطأ الطرفان في تقدير الموقف، الاخوان استعجلوا وتسرعوا وصدموا الاخرين بمقررات لم تحظ بالتوافق وخلط بعضهم بين السياسة والدعوة، ولم يحسنوا قراءة المشهد الاقليمي والدولي الذي «يتربص» بهفواتهم، ولم يراعوا طبيعة المرحلة الانتقالية «وارث»الماضي الثقيل وادواته التي ما تزال تمسك بمعاصم الدولة، ولا ايضا حجم الهواجس التي صنعها البعض للتخويف منهم... والآخرون المحسوبون على خط «المعارضة» اخطأوا ايضا في حساباتهم فقد تعسفوا بالحكم على الدستور، وفي خلق ثنائية «الدين والمدنية» وفي تحويل المعركة من استفتاء على الدستور الى تحشيد للانقلاب على «النظام» الجديد، وفي «الاستقواء» على الناس، وفي الانحدار بلغة الخطاب السياسي وادبيات الخصومة السياسية الى درك غير مقبول... واخطأوا ايضا في تقدير وزنهم الشعبي حيث جاءت النتائج عكس ما يتوقعونها تماما.

حين ندقق في «الحالة» المصرية نكتشف بأنها مجرد نسخة «لحالاتنا» العربية كلها، فالصراع الذي يدور في الميادين وعلى الشاشات لا يعكس قضايا الناس وهمومهم وانما «اجندات» نخبوية تتصارع على السلطة والنفوذ، والثنائيات التي اشغلتنا منذ عقود سواء بين «اليساري» و»الاسلامي» او بين «الدين والدولة» او بين «المسلم والآخر» ما تزال اسئلتها حاضرة بقوة لم تحسم بعد، والاسلاميون لم يتحرروا بعد من التباسات الدعوة السياسية، ولا من اشتباكات «الحزب والجماعة الوطنية» كما انهم لم يخرجوا من منطق المغالبة الى منطق الشراكة والتوافق بالمعنى الحقيقي وبالممارسة الصحيحة.

باختصار، لا يمكن لعالمنا العربي –حتى البلدان التي شهدت ثورات وتحولات- ان ينجز نهضة حقيقية وان يتعافى من امراض الانقسام والاستقطاب ما لم يحسم جملة من الاسئلة المعلقة التي لا تزال معلقة بلا اجابات واضحة، واهمها سوال الدين، والدولة، والديمقراطية، والعلم، والمرأة، والآخر، والعدالة والتنمية والحرية، وهي اسئلة يترتب عليها ولادة علاقات ووشائج تؤسس لبناء الانسان اولا، والدولة ثانيا والنهضة المطلوبة... ومن اسف ان نقاشاتنا لم تتوجه بعد الى هذه العناوين وان النوايا السليمة ما زالت غائبة عن الوصول الى توافقات حولها... وان من يتحمل مسؤولية ذلك هم «النخب» الذين استثمروا في هذه الاسئلة لتكريسها وتحويلها الى قنابل... بدل ازالتها وتنظيف المجتمع من انفجاراتها المدمرة.

(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
25-12-2012 09:15 AM

عاش بيان العسكر

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012