أضف إلى المفضلة
الخميس , 16 كانون الثاني/يناير 2025
الخميس , 16 كانون الثاني/يناير 2025


أنـــا

بقلم : ماهر ابو طير
28-12-2012 12:33 AM
تختلف على أمر تافه مع ميكانيكي أو عامل نفايات أو شرطي أو معلم أو وزير أو جار، وعند أول حدة أو صوت مرتفع أو جدل بين اثنين يقول أحدهما للآخر وبشكل بات رائجاً في كل مكان:»انت مش عارف مين أنا، انت مش عارف مع مين بتحكي»؟!.

الذات متورمة فينا، وذات مرة اختلف عاملا جمع القمامة أمام منزل مواطن، فبدأ الاول ُيهدّد الآخر: «انت مش عارف مين انا ؟!» والآخر يرد عليه:»انت مش عارف مع مين بتحكي؟!» وكلاهما بدأ بالاتصال عبر موبايله مع مراكز دعمه ونفوذه في الدولة من اجل تدمير الآخر، باعتبار ان لهما شبكات حماية ونفوذ.

الذي يعرف نائبا يهدّد، والذي يعرف شرطياً في مغفر يهدّد، والذي يعرف مختاراً يهدّد، والذي يعرف بيت وزير يهدّد، وهكذا تتورم «الأنا» بين الناس بشكل غير طبيعي، وليس ادل على ذلك من المشادات، فالكل يريد ان ُيلقن الكل درساً حول من يكون، وماذا بإمكانه ان يصنع ضد خصمه الضعيف.

ذات مرة وفي مكتب وزير جاء مواطن عليه غرامات لابد من دفعها، ولأنه يريد الوزير شخصياً، ولا يقبل اقل من الوزير، رفض مدير مكتبه ادخاله، لانشغال الوزير، فبدأ المواطن المحترم بالصراخ في المكتب، قائلا لمديرالمكتب ذات الجملة: «انت مش عارف مين أنا، انت مش عارف مع مين بتحكي؟!.

اشفقت على مدير المكتب فالمواطن عليه غرامات جراء سرقته لمال عام عبر إحدى الخدمات، وبرغم ذلك نجده صلفاً غليظ القلب، يهدًد ويتوعد وهو سارق متأنق، لايختلف عن أي لص آخر، وإذا كان اللص الآثم يهدّد ايضاً، فماذا تبقى للآخرين؟!.

الشعور بـ»الأنا» السلطوية تراه في كل مكان، واذا اختلف مواطنان يقودان سيارتهما في عمان، نجدهما سرعان ما يشتمان بعضهما البعض، ويطلقان ذات الجملة، ونرى كل واحد منهما يوصل ذات رسالة التهديد عبرتسجيل رقم لوحة سيارة الآخر، موحياً ان خلفه مراكز نفوذ ستنتقم له، فيما ثمن سيارة كل خصم لا تتجاوز خمسمائة دينار في احسن الحال، بما يؤشرعلى نفوذه المفتعل!!!

لا تعرف لماذا يتجادل الناس أصلا، ولماذا لا يمضي الانسان في طريقه بألطف الكلام، واطيبه، فمفتاح الانسان كلمة رقيقة، وليس معقولا ان يشعر كل واحد منا بأنه «زعيم ابن زعيم» وخلفه قوى ومراكز نفوذ، وهذه حالة لا استثني منها احدا ؟!.

تتأمل من لديهم نفوذ حقاً فتراهم ساكتين في هكذا مواقف، بل على العكس يتراجعون للخلف حتى لا يدخلون في دوامة دونية من الكلام والجدل غيرالمنتج مع شخص آخر، اياً كان موقعه في هذه الحياة.

ذات مرة اوقفت دورية شرطة مواطناً طائراً بسيارته، ولأن الدورية على حق وارادت مخالفته، وكان لابد من حجز رخصته لسبب ما ، انفلت في وجه الدورية قائلا لهم ذات الجملة: انتوا مش عارفين مين انا، انتو مش عارفين مع مين بتحكوا؟! ثم دار مثل المجنون، متصلا بخالته ربما عبر الموبايل موحياً انه يتصل بمرجعيات عليا، من اجل مخالفة سير!!.

الكبرياء جميل، لكنه لا يعني ابداً تهديد الآخر، والتطاول بالأعناق، ولا يعني ان كل واحد فينا اذا كان يعرف جابيا للمياه يفصل الخطوط، او شرطياً يجلب العصاة، او متنفذا هنا او هناك، من حقه المشي مثل الديك المنفوش.

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعظمته وهو خاتم الأنبياء والمرسلين والله معه و ناصره، ضربه أهل الطائف بالحجارة، وجاء اليه جبريل عارضاً عليه خسف الأرض بهم، فلم يقبل، فماذا تقول هذه القصة لاتباعه هذه الأيام، بخاصة ان المحبة اللفظية لا تكتمل الا بسلوك مطابق لسلوكه.

الذي لا يعجبه مقالي ايضاً اقول له: انت مش عارف مين انا، انت مش عارف على مين بتحكي؟!هدانا الله وإياكم.

(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
28-12-2012 07:14 AM

كلام جميل ولكن للاسف غير واقعي فالخروج عن القانون والواسطات اصبحت سمة يوصف بها الشعب الاردني والسبب واضح وهو عدم تطبيق القانون على الجميع بالتساوي القانون يطبق للاسف بانتقائية والذي له واسطة يأخذ حق الطرف الاخر رغم أنف القانون وحتى الدستور هذا هو واقع الحال ولن يتغير الوضع الحالي حتى يسود القانون على الجميع .

2) تعليق بواسطة :
28-12-2012 10:12 AM

المقال حلو وهذا حاصل في ساحتنا الاردنية وهذا كله بسبب التخلف الفكري والتفاخر القبلي من عادات الجاهلية التي لا تزال تتواجد عندنا في الاردن الغالي وخاصة في بيوتنا ومن خلال تربيتنا العائلية فالاب يفاخر والام تفاخر ويصبح الولد يفاخر بسبب او بدون سبب

3) تعليق بواسطة :
28-12-2012 10:46 AM

نعم اخي ماهر المقال قمة في الروعه.. لكنه يدعم بطيقة غير مباشرة عرض الأنفة اردنية على القراء .. نعم احيانا عندما يوضع الاردني في مثل هذه الظروف يتظاهر بالحديث عبر الموبايل مع لا احد ..

4) تعليق بواسطة :
28-12-2012 12:01 PM

من جديد صاير كتاباتك تتغير نحو الافضل انشالله انك تظل هيك

5) تعليق بواسطة :
28-12-2012 02:54 PM

أزعم أن هذة الضاهرة البغيضه لم تكن موجودة في الثمانينات والسبعينات وقبلها , فالمجتمع الأردني كان يتسَم بالحياء والاحتشام في الكلام والتصرفً , واعتقد أن المجتمع تعرض في التسعينات ألى دخول تياران جديدان زعزعا القيًم الموجودة . العامل الأول كان أستخدام نظام الصوت الواحد والذي أنتج تشويها كبيراً لمعنى كلمه الديمقراطيه , وانتج سلوكاُ شجعتً عليه الحكومات وهو تشجيع النواب المستقلين وضرب الفكر السياسي المنظم , ولذلك تم تشجيع مايسمى "بنواب الخدمات ", وهؤلاء خارج خطابهم المتزلف في جلسه الثقه في حديثهم عن مطالب مناطقهم الأنتخابيه , فقد كان سلوكهم الحقيقي المعروف للحكومه هو التواسط ولا شيء غير التواسط , مما انتج مجموعه من مسؤولي الأدارة الوسيطه في الأردن المتواسط لهم (مدراء عامين, مدراء دوائر, رؤساء أقسام وغيرهم) ,,, وقد أوجد هذا المنتًج المشوة شعورا أجتماعياً عاماً بأن الواسطه هي الحل , وليس الحق ,
التيار الثاني , هو النزوح الكبير بعد حرب الكويت , وقدوم مجموعه من المواطنين كانت قد عاشت عمرها في منطقه خليجيه يقيًم الأنسان بما لديه وبكم يقبض ويسود التفاخر لمن يحوز المال ,,,,,ولذلك فقد ساهم هذا التياران في اضهار كثير من السلوكات المستجدة ومنها هذا السلوك المذكور.

6) تعليق بواسطة :
28-12-2012 05:25 PM

مقال جميل وواقعي ... تحية للكاتب المحترم

7) تعليق بواسطة :
28-12-2012 08:32 PM

ما اشار اليه الكاتب سلوك موجود ومنتشر
للاسف في مجتمعنا والكاتب وصف حالة لم تنشأ
من فراغ وليس هناك جينات مسؤولة عنها
انها نتاج تربية،والتربية ليست مسؤولية
الاسرة فقط ولا النظام التعليمي،التربية
ظاهرة وطنية مجتمعية،عندما نربي على
قيم تنتمي لبنى اجتماعية تنتمي لما
قبل الدولة فالحاضر الوحيد فيها المثل
الشعبي(عد ارجالك وارد المي).
من ربى على هذه المظاهر مظاهر العصبيات
الخلدونية,هم من يضخمون العصبيات بوصفها عزوة المتنفذ الذي(يعد) رجاله
لورود الماء،ولو لم يعمد اولئك المتنفذون في قطاعات مختلفة لتغذية هذه
النزعات لما انتشرت .

8) تعليق بواسطة :
28-12-2012 09:28 PM

سيدي,,اتفق مع ما ورد في تعليقك كأهم سببين لهذا التحول, ولك احترامي

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012