28-10-2010 11:27 AM
كل الاردن -
شن وزير الإعلام الأردني الأسبق صالح القلاب مدير عام مؤسسة الإذاعة و التلفزيون حاليا هجوما على الإسلاميين ضمن مقال له نشرته صحيفة الشرق الأوسط و فيما يلي نص المقال :
ستجرى انتخابات المجلس النيابي الأردني (البرلمان) الـ16 في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ولعلها ليست مصادفة أن يكون إجراء هذه الانتخابات في ذكرى تعرض العاصمة الأردنية عمان، لهجمات إرهابية دامية نفذتها «القاعدة» استهدفت ثلاثة فنادق، وأسفرت عن قتل نحو ستين مواطنا بريئا. فالمقصود هو القول للإرهابيين وتنظيماتهم، التي لا تزال تضرب في المنطقة ولا تزال تستهدف الأردن، إن الشعب الأردني، كرد على هذه الهجمات، مستمر في مواصلة مسيرته الديمقراطية، وأن رده على هذه الجرائم هو التمسك بصناديق الاقتراع وبالحياة البرلمانية.
كان لا بد من إجراء هذه الانتخابات والعودة إلى الحياة البرلمانية، التي كانت تعطلت بعد حل المجلس النيابي السابق، فهناك على الصعيد الداخلي استحقاقات كثيرة، سياسية واجتماعية واقتصادية، وهناك هذا الوضع الإقليمي المضطرب الذي بات يشبه لغما مؤقتا قد ينفجر في أي لحظة. والحقيقة أن هناك أكثر من لغم ربما ينفجر بصورة مفاجئة؛ فهناك الوضع اللبناني الذي ينام فوق برميل من البارود، وهناك إشكال القدرات النووية الإيرانية ثم هناك اللغم العراقي واللغم اليمني واللغم السوداني واللغم الصومالي.. واللغم الفلسطيني الذي هو «أبو» الألغام كلها.
ربما ليست جديدة الإشارة إلى أن 16 حزبا أردنيا من بين 18، قد قررت المشاركة في هذه الانتخابات، التي توصف بأنها ستكون بمثابة وقفة جدية على طريق المسيرة الديمقراطية التي استؤنفت في عام 1989، بعد غياب استغرق أكثر من 30 عاما، وأن المقاطعة اقتصرت على حزبين هما: حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يعتبر وجه العملة الآخر لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوحدة الشعبية المرتبط بصلة خؤولة وعمومة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المشهورة بتقلبات المزاج وتغيير مواقفها بين المرونة والتشدد بصورة فجائية.
وحقيقة أنه غير مهم الحديث عن حزب الوحدة الشعبية هذا، وعن الأسباب التي تقف وراء مقاطعته للانتخابات، وعن أسباب توتره المستمر منذ إنشائه. بينما ضروري ولازم استعراض أسباب اتخاذ تنظيم الإخوان المسلمين لهذا الموقف السلبي والاستنكافي الذي اتخذه، وذلك مع أنه كان قد شارك بكل قوته في انتخابات عام 2007، وفاز بعدد من المقاعد، وكل هذا وفقا لقانون «الصوت الواحد» الذي هو القانون نفسه الذي ستجرى على أساسه انتخابات التاسع من نوفمبر المقبل مع تعديل طفيف يتعلق بكيفية الدوائر الانتخابية.
إن مشكلة «الإخوان المسلمين»، الذين أصبحوا يعتبرون الطفل المدلل للدولة الأردنية منذ خمسينات القرن الماضي وحتى منتصف تسعيناته، هي أن أوراقهم السابقة التي كانوا يلعبونها لاستدراج قطاع من الأردنيين إلى دائرتهم قد أصيبت بالاصفرار وغدت متآكلة، وبالتالي فإن شعاراتهم فقدت بريقها، ومكانتهم الجماهيرية السابقة أصيبت بالذبول. وهذا جعلهم يهربون من هذا الواقع المستجد إلى وضعية الابن المشاكس وإلى ركوب موجة المعارضة والذهاب بهذا الأمر حتى خط النهاية. ثم وبالإضافة إلى هذا فإن الإخوان المسلمين الذين خرجت حركة حماس من جوفهم، وأنشئت كحركة مقاومة بعد أكثر من عشرين عاما من انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في عام 1965، ما لبثوا أن غدوا مطية لهذه الحركة، حيث بات اتجاه منهم يعتبر نفسه «حماسيا» أكثر مما هو «إخواني»، في حين أن الاتجاه الآخر واجه هذا التحول بالرفض مما جعل هذه الجماعة تصبح في حقيقة الأمر جماعتين، جماعة معتدلة متمسكة بأردنيتها، وجماعة متطرفة تصر على أن الأولوية في الولاء لحركة المقاومة الإسلامية ولشيخها خالد مشعل. وهذا الوضع عكس نفسه على الموقف من الانتخابات البرلمانية، ولكن في هيئة انقلاب المواقع، حيث أخذ المعتدلون موقع المتطرفين وأخذ المتطرفون موقع المعتدلين.
والسبب بالنسبة لهذا الأمر، كما قالت رموز قيادية في هذه الجماعة، وفي حزب جبهة العمل، يعود لإصدار خالد مشعل قرارا يلزم الإخوان المسلمين (الأردنيين) بخوض معركة الانتخابات البرلمانية الأردنية، لعزمه على تحويل البرلمان الأردني من خلال «الإخوان» الذين سيفوزون في هذه الانتخابات إلى منبر لحركة حماس. وبالطبع فإن المعتدلين رفضوا هذا الأمر ولجأوا إلى مناورة المقاطعة والاستنكاف، مما اضطر المتطرفين إلى اللحاق بهم، تحاشيا لاتهامهم بالتماشي مع السياسات التي تتبعها حكومة سمير الرفاعي الأردنية.
وبالطبع فإن الإخوان المسلمين تحاشوا الاعتراف بأن سبب رفضهم انتخابات التاسع من نوفمبر المقبل، واستنكافهم عن المشاركة فيها، هو أنه من غير الممكن خوض معركة هذه الانتخابات، وهم منقسمون وغير قادرين على تشكيل كتلة موحدة لمرشحيهم الذين سيخوضون بهم هذه المعركة. فكان أن اخترعوا السببين المعلنين اللذين هما: ضرورة استبدال قانون الانتخابات الساري المفعول بقانون آخر يأخذ بمبدأ القائمة النسبية، وضرورة القيام بإصلاح سياسي شامل قبل إجراء هذه الانتخابات النيابية.
ولعل ما تجب الإشارة إليه هو أن «الإخوان» راهنوا على أن الحكومة بعد أن أخفقت في إقناعهم بالعدول عن مقاطعة الانتخابات، ستضطر مرغمة إلى تأجيل هذه الانتخابات لفترة لاحقة. ويقينا لو أن هذا حصل لأظهرهم على أنهم هم الذين يقودون الشارع الأردني، وأنهم هم الذين يتحكمون في القرارات المصيرية الأردنية، لكن هذا لم يحصل، ومضى كل شيء في اتجاه إجراء هذه الانتخابات في موعدها المحدد في التاسع من نوفمبر المقبل.
هذه هي الصورة الحقيقية لما جرى في الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية الأردنية منذ أن تم تحديد موعد إجرائها، ويبقى أنه لا بد من التساؤل عن الموقف الذي سيتخذه الإخوان المسلمون بعد إجراء هذه الانتخابات، والجواب هو أنهم، أولا: سيواصلون بالطبع حملة التشكيك. والقول إن هذه الانتخابات لم تكن شفافة أو نزيهة، وأن نسبة المشاركين فيها لم تكن النسبة الرسمية التي أعلنتها الحكومة، وثانيا: سيحاولون الإيحاء بأنهم سيلجأون إلى «الخشونة» في التعامل مع الدولة من الآن فصاعدا، وأن خيارهم الجديد قد يكون النزول تحت الأرض، لكن إذا كانوا فعلا يفكرون بهذا، فإن عليهم أن يتذكروا المصير الذي آل إليه «إخوانهم» في سورية عندما لجأوا إلى الخشونة في التعامل مع الدولة هناك، وعندما سلموا ذقونهم لمتطرفيهم وحملوا السلاح في وجه هذه الدولة.
وفي النتيجة، فإنه لا بد من التأكيد على أن «إخوان» الأردن باتوا بعد مقاطعة الانتخابات النيابية يمرون بأوضاع صعبة لا يحسدون عليها؛ فهم منقسمون داخليا على أنفسهم، بين موالين لحماس وموالين لبلدهم ودولتهم، وهذا جعلهم يواجهون حالة ارتباك غير مسبوقة، سواء بالنسبة لتعاطيهم وتعاملهم مع الدولة الأردنية أو بالنسبة لتعاملهم مع التنظيم الأم الذي هو جماعة الإخوان المسلمين المصرية