أضف إلى المفضلة
الجمعة , 17 كانون الثاني/يناير 2025
الجمعة , 17 كانون الثاني/يناير 2025


الصعود الروسي ونتائجه

بقلم : ناهض حتر
16-02-2013 11:57 PM
بعض المتمركسين المنضوين في العباءة الوهابية، يحاول تصوير روسيا بوصفها دولة امبريالية. وهذا وصف يدعو إلى الضحك حقا. روسيا، اليوم، رأسمالية وطنية صاعدة تناضل ضد محاولات الحاقها من قبل الضواري الإمبريالية، وتحويلها إلى دولة كمبرادورية. إنها تعيش صعودا قوميا دفاعيا، وسياساتها كلها تقع في باب الدفاع عن الذات ضد الكمبرادورية والتفكك والتهميش. ولذلك، فهي، بالتوصيف الماركسي، قومية تقدمية. ولعله من الضروري، هنا، الانتباه إلى أن امكانات روسيا السياسية ( العضوية الدائمة في مجلس الأمن وعلاقاتها الدولية) والعسكرية ( بما في ذلك قدراتها النووية وصناعتها المتطورة في مجال السلاح) وبناها كدولة صناعية حديثة، لم تأت بفعل نظامها الحالي الرأسمالي الوطني، ولكن بفعل التراكم السياسي والتنموي المتحقق في الحقبة السوفياتية. وهذا التركيب بين المنجزات السوفياتية وتنامي قوة رأسمالية الدولة القومية، هو الذي فتح باب التاريخ أمام روسيا لكي تنافس على القطبية الدولية.
روسيا لا تزال اليوم في مرحلة بناء ودفاع. وهو ما يمنح سياساتها بعدا تقدميا صريحا. وفي المستقبل، ستواجه روسيا، ثلاثة خيارات: اكتمالها كرأسمالية كبرى، فتتحول، بالتالي، إلى امبريالية. وهذا احتمال ضعيف لأن الإمبريالية العالمية أغلقت ناديها على هيراركية الحقت بها كل الرأسماليات الكبرى بالهيمنة الأميركية، فلا يعود أمام الروس، ، سوى الالتحاق بالإمبريالية الأميركية أو تحطيم النادي الامبريالي، أي خوض حرب عالمية جديدة. أما الخيار الثالث، فيتمثل في انتصار صيغة اشتراكية حديثة في روسيا تربطها بماضيها السوفياتي من دون تكلّسه واستبداديته. ومهما تكن السيناريوهات الروسية اللاحقة، فإن شيئا واحدا أصبح محسوما منذ الآن. وهو أننا إزاء عالم متعدد القطبية سوف يمنح، لحركة التحرر الوطني، فرصة تاريخية جديدة، تتمثّل فيما يلي:
أولا، تلافي الهيمنة الامبريالية على القرار الدولي، ثانيا، تلافي العدوان الإمبريالي العسكري مع العودة، بالطبع، للأساليب الاستخباراتية والإعلامية وشن الحرب بالوكالة بالاعتماد على الأنظمة والحركات الرجعية كما هو حادث اليوم في سورية، ثالثا، امكانيات التسلّح الحديث وإعادة هيكلة الجيوش الوطنية، رابعا، امكانيات فك الارتباط بالرأسمالية الامبريالية وتعزيز العلاقات الاقتصادية القائمة على المصالح المتبادلة مع روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا ( مجموعة البركس)، وهو ما يعطي لحركة التحرر الوطني القدرة على ضرب القوى الكمبرادورية واستعادة سيطرة الدولة على العلاقات الاقتصادية الخارجية، خامسا، تحرير الإرادة الوطنية في القرار التنموي وإقامة النظام الديموقراطي الاجتماعي.
في الخلاصة، نعيد تأكيد ما يلي:
أولا، كل الطروحات النيوليبرالية والليبرالية والسلموية والقومية التقليدية والإسلاموية، التي سيطرت منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم، سقطت في الوحل، وظهر عقمها التاريخي في تجارب عيانية في بلدان عربية رئيسية، لكن ظهرت كل بشاعتها التدميرية في سورية،
ثانيا، أظهرت التجربة السورية الاستحالة الموضوعية للفصل بين السياسات الدفاعية وتلك الاقتصادية الاجتماعية، وبينهما وبين السياسة الخارجية، مما يعيد طرح قضية التحرر الوطني بوصفها قضية مركّبة، من الوطني والاجتماعي والسياسي والثقافي والجيوسياسي والاستراتيجي.
ثالثا، تجديد حركة التحرر الوطني أصبح، إذاً، على رأس جدول الأعمال المشرقي ـ ولاحقا العربي ـ انطلاقا من المعركة السورية. هل ذلك ممكن؟ نعم، طالما أن العالم المتعدد القطبية ينبلج فجره الحتمي.
رابعا، هل نستنسخ مناهج وبرامج الأنظمة القومية للمرحلة السابقة من حركة التحرر الوطني؟ كلا، لأنها، علاوة على كونها مناهج تجريبية وبرامج مهجنة، فقد أصبحت فائتة، مما يضع على عاتقنا انتاج رؤى جديدة لحركة تحرر وطني جديدة.

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012