وقفة للنقد الذاتي والمراجعة
بقلم : ناهض حتر
06-04-2013 01:14 AM
من حسن حظ الأردنيين، من كل الأطياف، أن لديهم فرصة التعلّم من المآسي التي شهدتها بلدان ما عُرف بالربيع العربي.
الدرس الأول من نموذج 'ديموقراطية الصناديق'، كما في تونس ومصر، حيث تبيّن أن هذه الماكنة في تشكيل السلطة، لا تشتغل إلا في دول حققت 4 شروط غير متوفرة في الحالة العربية هي : الاستقلال عن المؤثرات الخارجية، الإجماع على الثوابت ـ بما فيها الإجماع الثقافي ـ، الاقتصاد الديناميكي، الطبقة الوسطى المستقرة.
في مصر ـ مثلا ـ تمكن الإسلاميون من اقتناص لحظة السلطة، ولكنهم انكشفوا، بسرعة، أمام تحديات تجديد الدولة؛ ففي باب السياسات، ظهر أنهم لا يملكون أفقا يتجاوز السياسات المباركية التي كانت قد شلت مصر وأفقرتها وجمدت تطورها وأدت إلى نشوب ثورة 25 يناير، وفي باب الإدارة، ظهر أنه ليس لدى الإخوان المسلمين، الكفاءات اللازمة لإدارة تلك السياسات على عقمها. وهكذا، لم يبق، عند الإخوان وحلفائهم من الجماعات الإسلامية، سوى الخطاب التبريري والعنف في مواجهة معارضة متنامية، تردّ، بدورها، على العنف بمثله، ما يجعل البلد عرضة للصدام الأهلي الطويل والفشل.
مصر تواجه تحديات كبرى لا يمكن التصدي لها من دون تضامن الجماعة الوطنية، لبناء اقتصاد عادل وإطلاق العملية التنموية واستيعاب القوى العاملة المعطلة وتحسين الخدمات العامة. وهي مهمات غير ممكنة من دون التحرر من النفوذ الأجنبي، سواء الأميركي أو الخليجي، واستعادة استقلال مصر ودورها المركزي في القضايا العربية والإقليمية. والفرصة متاحة مع ظهور قوى عالمية صديقة مثل دول البركس.
الدرس الثاني من نموذج الثورات المسلحة المدعومة من الخارج. وهي أدت إلى تدمير الدولة الليبية وإغراق اليمن في الفوضى والزج بسورية في حرب أهلية مديدة.
من المفارقات أن سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي حققت، موضوعيا ونسبيا بالطبع، شروط الانتقال الديموقراطي؛ فهي تتمتع بالاستقلال السياسي والاقتصاد الديناميكي وقوة المجتمع المدني والطبقة الوسطى المدينية، والتقدم الثقافي. وهي متحررة من المديونية والعجز في الموازنة العامة، وتغطي احتياجاتها من الغذاء والدواء والمنسوجات والأجهزة المنزلية الخ محليا، بالإضافة إلى ما يتوفر لها من استقلال في مجال الطاقة.
ما كان يحول دون الانتقال الديموقراطي في سورية، نظام سياسي جامد واستبدادي، وكان من اللازم لدفعه نحو التجاوب مع التحديث السياسي، انطلاق حركة ديموقراطية سلمية، تبني على المنجَز ولا تهدمه. ولم تتوفر مثل هذه الحركة لسورية التي شهدت تدخلات خارجية واسعة النطاق تهدف إلى ضرب استقلالها وهدم منجزاتها، ووجدت هذه التدخلات وسيطا محليا يتمثل في الإخوان المسلمين الذين شكلوا 'الطليعة المقاتلة' التي أمنت أرضية ملائمة لولادة واستجلاب القوى الإرهابية تحت راية التحشيد المذهبي والطائفي، بحيث غرق الإخوان أنفسهم في المصيدة، وتحولت المعارضة المسلحة السورية إلى جيش من العملاء والإرهابيين. وإذا ما تمكن هؤلاء من السيطرة على البلاد، فستكون هذه نهاية الدولة السورية، وتفتح الباب أمام الحروب الأهلية المستدامة والهيمنة الإسرائيلية.
طيّب.. نعود إلى الأردن؛ لقد نجونا من النموذجين السابقين حتى الآن. ولكن أحدا لم يتعلّم الدروس: النظام يعيد انتاج السياسات والبنى لما قبل 2011 والإخوان ما زالوا مغلقي الأعين عن المآلين، المصري والسوري، للتجربة الإخوانية الفاشلة في الحالتين، بينما المعارضة الوطنية ما تزال في نطاق ردود الفعل والأفكار الجامدة. ما نحتاج إليه جميعا وقفة للنقد الذاتي والمراجعة، والتوصل إلى مشتركات الحد الأدنى لتجديد الدولة الأردنية، وتلافي السير في الدروب الخطيرة.